القامشلي... جوع وتحسّر على كأس ماء بارد!
تشهد القامشلي؛ كبرى مدن محافظة الحسكة تعاني ارتفاعاً أكثر من باقي مدن وبلدات المحافظة الحدودية مع تركيا والعراق نظراً لطبيعتها الجغرافية وتعقيد الحالة الأمنية الداخل فيها أكثر من طرف في الصراع المسلح وانعكاس ذلك على الأوضاع الاقتصادية.
وشهد سوق القامشلي في بداية شهر تموز الجاري ارتفاعاً غير مسبوق في سعر الدولار، رافقه ارتفاع في أسعار السلع نحو أربعة أو خمسة أضعاف ما كانت عليه منذ شهرين، وتراجع سعر الدولار فيما بعد ليستقر ما بين 205-230 ليرة، أما سعر السلع فبقي على ارتفاعه. بل وشهدت الأسعار موجة جديدة من الارتفاع بحلول شهر رمضان المبارك، ما أثار سخط المواطن واستنكاره لعدم انخفاض سعر المواد التموينية رغم تراجع سعر الدولار الذي كان يتحجج به التجار بخصوص رفعهم للأسعار.
وفيما يلي قائمة بأسعار بعض المواد التموينية الأساسية -من النوعية المتوسطة الجودة- مقارنة بأسعارها منذ شهرين:
سعر 1 كغ شاي 1800 ل.س وكان قبل شهرين 725 سعر 1 كغ طحينية 900 ل.س وكان سعره 350
سعر 1 كغ رز 300 ل.س وكان قبل شهرين 125 سعر 1 كغ عدس 250 ل.س وكان قبل شهرين 80
سعر 1 ليتر زيت نباتي 550 ل.س وكان سعره 210 وقال أحد تجار الجملة إن ارتفاع أسعار السلع يعود بشكل رئيس إلى عدم استقرار سعر الدولار؛ والمعيار هنا هو السوق السوداء مؤكداً إن السوق المحلية تعاني أيضاً من عدم توفر الشحن الآمن من المناطق الداخلية إلى القامشلي، حيث يطالبنا تجار دمشق وحلب وغيرها بدفع ثمن البضائع بالدولار أو بالليرة السورية مقارنة بسعر الدولار في السوق السوداء، مع عدم تحملهم مسؤولية وصول البضائع.
وتتعرض غالبية سيارات الشحن القادمة إلى القامشلي لعمليات سلب ونهب من قبل عصابات مسلحة، بالإضافة إلى مطالباتهم بفدًى للإفراج عن سائقي ومرافقي سيارات الشحن، ما يُثقِل كاهل التاجر بمسؤوليات لا يقوى على حملها. كما أن أجار النقل يصل إلى أسعار مرتفعة جداً؛ حيث يصل أجار سيارة الشحن الواحدة (قاطرة مقطورة) إلى 250 ألف ليرة سورية من حلب إلى القامشلي.
ولجأ بعض التجار إلى الحصول على البضائع من أسواق خارجية كتركيا مثلاً؛ وفي ظل إغلاق معبر القامشلي-نصيبين الحدودي من قبل السُّلطات التركية تتبعت «قاسيون» رحلة تهريب البضائع التركية من معبر تل أبيض الحدودي الواقع تحت سيطرة الجماعات المسلحة، وفي هذه الحالة يُفرَض على التجار المحليين التعامل بالليرة التركية أو بالدولار، ويدفعون مبلغ مرتفعاً يصل إلى 175 ألف ليرة كأجار نقل للشاحنة الواحدة.
وقال أحد مرافقي الرحلة إن جزء من البضائع كان يُسرَق أثناء نقلها من شاحنات تركية إلى شاحنات سورية، ليفرض على التجار أتاوات ورشًى ورسوم حماية "وهمية" تصل لأرقام عالية كرسم عبور وحراسة من معبر تل أبيض إلى القامشلي وتصل غرامة الشاحنة الواحدة إلى أكثر من 170 ألف ليرة يدفعها التاجر لمسلحين يسيطرون على الطرقات العامة أو مناطق النزاع؛ من مختلف الجماعات المسلحة في المنطقة.
وقال أحد المواطنين إن «الفقر بات واضحاً وهو في ازدياد والطبقة الوسطى تكاد تكون انمحت، ومع دخول شهر رمضان خلت الموائد من معظم المأكولات، واقتصرت الأسر على طبخة واحدة، وغالباً يصعب علينا توفير موادها الأولية من بيض أو بندورة بسبب الارتفاع الهائل في الأسعار، وأصبح كأس الماء البارد حسرة علينا بسبب الانقطاع شبه الدائم في التيار الكهربائي، وقالب الثلج أصبح سعره 700 ل.س في حين كان سعره العام الماضي 55 ل.س»، وحمّل المواطن الحكومة مسؤولية غلاء الأسعار وعدم التزامها بمسؤولياتها في الرقابة ومكافحة تلاعب التجار.
وقال العضو السابق في المكتب التنفيذي لقطاع التموين خضر الخضر لـ «قاسيون» إن «الفوضى التي نعيشها اليوم هي نتيجة طبيعية للسياسات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة إثر المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي، فالنهج الاقتصادي أو ما يسمى اقتصاد السوق الحر هو الذي هيأ البنية التحتية لما نعيشه اليوم من فوضى وفساد وفقر، حتى بات الترهل في مفاصل الاقتصاد السوري أشبه بالخلايا السرطانية النائمة، والتي انفجرت مع بدايات الأزمة».
وأضاف الخضر إن دور الرقابة التموينية -قبل الأزمة- لم يكن يتعدى متابعة الجودة ومواصفات المواد، والإعلان عن الأسعار فقط دون التدخل في تحديدها أو تخفيضها، أما في الوقت الراهن فقد انكفأت دوريات التموين ولم تعد تتحمل مسؤولياتها أو تقوم بواجباتها في مراقبة ومتابعة الأسواق، يضاف إلى ذلك خروج الكثير من الأسواق الرئيسة في المحافظة عن سيطرة الدولة، وسحب السيارات الحكومية من موظفي التموين لتتحول الدوريات إلى راجلة وتنكفئ فيما بعد...»