205أثرياء سوريين.. والمكتب المركزي أرقامه واهية
وجدي وهبة وجدي وهبة

205أثرياء سوريين.. والمكتب المركزي أرقامه واهية

أعلن المكتب المركزي للإحصاء ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك بين نيسان 2011 ونيسان 2013 بلغ 164، أي اعتبر أن الأسعار في عام 2011 100 فرضاً واستنتج ان الزيادة بلغت 64 ليرة فقط، أي 64% نسبة زيادة الأسعار أي التضخم خلال عامي الأزمة فقط..!

بينما أعلن تقرير الثروة العالمي لعام 2013 والذي يعده مصرف «يو بي إس» بأن سورية تحتل المركز السادس بعدد الأثرياء بين دول الشرق الأوسط بوجود 205 ثري يملكون إجمالي ثروة 22 مليار دولار وذلك في العام الحالي.
لا نمتلك ما يكفي من المعلومات لندقق في عدد الأثرياء السوريين ومبلغ ثرائهم، إلا أننا نمتلك أن نقدر «مهزلة» الرقم الحكومي ويثير فضولنا استمراره بالانحياز..
فتخفيف رقم التضخم من شأنه أن يخفف من وطأة ارتفاع الأسعار وأن يغطي حقائق أن الثروات التي تتراكم في خزائن 205 من الأثرياء السوريين، جزء هام منها يؤخذ من جيوب حوالي 20 مليون من القوى العاملة السورية أو أصحاب الأجور..

الرقم القياسي لأسعار المستهلك والرقم القياسي لأجور المستهلك..

يتكون الرقم القياسي لأسعار المستهلك من سلة من السلع والخدمات التي يشتريها المستهلكون ويتم تحديدها بناء على النمط الاستهلاكي للمجتمع المدروس, بحيث تقسم السلة الى عدة مكونات, يخضع كل مكون إلى تثقيل نسبي بناء على أهميته (نسبته) من إنفاق الأسرة. وقد قدر الارتفاع في الرقم القياسي لأسعار المستهلك في الاقتصاد السوري بـ 164% خلال عامي الأزمة, وهو مؤشر يعكس ارتفاعاً في التضخم بمعدل 64% فقط و هذا الإعلان الأخير للمكتب المركزي للإحصاء يفتح مجالاً واسعاً لطرح عدد من الأسئلة:
• هل هذا المؤشر دقيق؟
• ما الفائدة من حساب الرقم القياسي لأسعار المستهلك؟
• أين قياس الأجور الحقيقية؟
هل هذا المؤشر دقيق؟
إن الدقة تعتمد على شقين:
• مدى دقة المسح الذي قام به المكتب المركزي للإحصاء.
• الأوزان النسبية لمكونات سلة السلع والخدمات.
إذا سلمنا بدقة المسح الذي قام به المكتب المركزي للإحصاء, فمن المؤكد عدم قدرتنا على التسليم بالأوزان النسبية لمكونات السلة, فمثلا إن الأغذية والمشروبات غير الكحولية تثقل بـ 41.9% من مكونات سلة المستهلك (إنفاق الأسرة) وهذا التثقيل غير دقيق, فمن خلال اطلاعنا على نسبة إنفاق الأسر الفعلي على المواد الغذائية تبين أن الأسرة تنفق نسبة 70% من متوسط دخلها على سلة غذائية تقشفية، فكيف يمكن لهذا التثقيل أن يبقى على ما هو عليه, خصوصا بعد هذا الارتفاع الكبير في الأسعار, أما السكن الذي يشكل نسبة 15% من تثقيلات السلة فإنه وباعتبار أن متوسط أجار البيت في المناطق العشوائية 15 ألف ل.س يشكل نسبة 75% من متوسط الأجور الحالي بعد الزيادة، ومن هنا نستنتج أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك غير دقيق (بسبب عدم دقة الأوزان النسبية لمكونات السلة) ولا بد من القيام بمسح جديد لإنفاق الأسر السورية يرصد الأهمية النسبية الحقيقية للسلع المختلفة من إنفاق الأسر السورية..
ما الفائدة من حساب الرقم القياسي لأسعار المستهلك؟
يفترض أن يستخدم الرقم القياسي لأسعار المستهلك من أجل تعديل الرواتب والأجور بما يتناسب مع التغير في المستوى العام للأسعار, فارتفاع هذا المؤشر يعني انخفاض الدخل الحقيقي لأصحاب الرواتب والأجور, وهو ما يستدعي من الحكومة والقطاع الخاص تعديل الرواتب والأجور بما يتناسب مع هذا الارتفاع, ولكننا نجد ان هذا المؤشر في الاقتصاد السوري غير ذي جدوى, فالربط بين الحد الأدنى  للأجور والحد الأدنى لمستوى المعيشة الذي أضيف في الدستور السوري بعد التعديل، لم يدخل حيز التطبيق، وزيادة الأجور الأخيرة لم تكن سوى تعويض يعادل تقريباً أثر ارتفاع المحروقات السابق.
وموضوع الربط هو أمر مطروح في أغلب اقتصاديات أكثر الدول رأسمالية حيث تملك نقابات العمال مؤشرات قياسها الخاصة لمستويات الأسعار وتضغط باتجاه تعديلات الأجور وفقها، وفي إحدى طروحات مشكلة ارتفاع الرقم القياسي للأسعار يقترح موريس اليه (اقتصادي فرنسي) ربط الأجر بالرقم القياسي لأسعار المستهلك عند كل عقد جديد وإلزام جميع الأطراف بتعديل الأجر عند كل ارتفاع في الأسعار، ويفترض أن نذهب إلى أبعد من ذلك عن طريق الربط الدائم بين مستويات الأسعار وتغيراتها ومستويات الأجور، سواء عن طريق زيادة الأجور الحقيقية نقدياً، أو بالتعويض العيني لمواد مدعومة.
أين الرقم القياسي لأجور المستهلك؟
يعتبر الرقم القياسي لأسعار المستهلك –المعبر من خلاله عن التضخم - مؤشراً على درجة عالية من الأهمية نظرا لأثر التضخم  على المستوى المعيشي وعلى مؤشرات الاقتصاد الكلي. ولكن هل هذا المؤشر وحده كافٍ؟ أم يجب رفده بمتغير مكمل له, لا يكتفي بقياس المشكلة بل يتجاوزها إلى قياس فاعلية الحلول المتخذة لحل هذه المشكلة.
والمتغير المكمل هو الرقم القياسي لأجور المستهلك – إن صح التعبير- أقصد الأجر الحقيقي.
فحساب الأجر الحقيقي واعتماده كمتغير أساسي يحقق فائدة كبيرة وهي: قياس فاعلية الحلول المتخذة لرفع مستوى المعيشة.
فإذا كان الرقم القياسي لأسعار المستهلك يقيس التغير في مستوى المعيشة من خلال قياسه للتضخم (يقيس المشكلة) فإن الأجر الحقيقي يقيس مدى فاعلية الحلول المطبقة لحل هذه المشكلة (يقيس الحلول وفاعلية الأدوات المستخدمة), فمن خلال حساب الأجر الحقيقي (كمية السلع والخدمات المشتراة بكمية محددة من الدخل النقدي) نكون قد قيمنا مدى نجاح أو فشل الإجراءات المتخذة لحل مشكلة انخفاض مستوى المعيشة.
بناء على رقم الإحصائي..
وبمقارنة تراجع مستوى الدخل مع زيادة الرواتب الأخيرة, يتضح لنا أن الحلول لم تكن فاعلة تماماً. وهذا ما نسي المكتب المركزي للإحصاء إعلانه! واكتفى بالتصريح بالفرق في الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال عامي الأزمة.. والذي من المؤكد أنه جزئي ومغلوط نتيجة الخلل الرئيسي في تثقيلات السلة الاستهلاكية المستخدمة في القياس، فإذا ما أخذنا أثر تراجع قيمة الليرة فقط على المستوى العام للأسعار فإن الارتفاع يجب أن يكون بمقدار 200%.

ومن هنا ننطلق إلى أنه لابد من إعادة تقييم دقيق للرقم القياسي لأسعار المستهلك, وربط الرقم القياسي لأسعار المستهلك بالأجر الحقيقي, من أجل الحفاظ على المستوى المعيشي وتجنب الأثار السلبية الأخرى على مؤشرات الاقتصاد الكلي.