إلى أين ستأخذنا (أجندة الإسكوا)؟!
كثر الحديث عن (الأجندة الوطنية لمستقبل سورية) المشروع الذي ترعاه منظمة الإسكوا، التي يتبوأ عبد الله الدردري منصب كبير الاقتصاديين، والرجل الثاني بعد الأمينة التنفيذية فيها، وقد نشر مؤخراً في تقرير للإسكوا مقتطفات من أهداف (الأجندة) الاقتصادية وهذه خلاصتها وفق ما قرأناه..
بإيجاز تقول الأجندة، ما يشبه كثيراً الخطة الخمسية 11 للحكومة السورية واقتصاد السوق الاجتماعي قبل الأزمة، حيث أن المهمة الموضوعة بعد انتهاء الحرب، هي (العودة إلى مستويات عام 2010)، ولكن بعد 10 سنوات! بمعدل نمو سنوي وسطي 8% تقريباً، وهذه الأجندة مشروطة بتوفر استثمارات خليجية ودولية سنوية 20 مليار دولار تقريباً..
(الأجندة الوطنية) ذات الرعاية الدولية، تريد أن تعيدنا إلى الوراء، وهي تضع للمستقبل مهمة متواضعة بالقياس إلى الضرورات، فتقديرات الاقتصاديين السوريين بأن سورية، كانت تحتاج قبل الأزمة إلى مضاعفة الناتج خلال 6 سنوات، وبمعدل نمو 10%، وعبر تغييرات جذرية للتشوهات في بنية الاقتصاد السوري، واهمها مسالة توزيع الثروة.
الأجندة وضعت هدفاً متواضعاً ورقمياً، والأسوأ أنها رهنته لتدفق الاستثمارات الخارجية، ولكنها لم تضع أي خطة بديلة لمصير السوريين، في حال عدم تدفق هذه الاستثمارات والأموال. ولم تذكر حق السوريين بالتعويضات، ولم تذكر كيف نستطيع أن نضمن توزيع الأموال على الاستثمارات في الزراعة والصناعة وعلى الأجور وعلى التعليم وعلى السكن وعلى المهمات الاجتماعية، إذا كان علينا أن نقدم للمستثمرين التسهيلات! فعلينا إن كانوا مفتاح النجاح، أن نقبل بشروط استثمارهم ورغباتهم..!، ولن يكون لدى السوريين ترف إعطائهم حصة كبيرة من الأرباح..!
الضرورات تقتضي أن يتم الإنفاق الكبير على توسيع قدرات الاستهلاك والإنتاج السورية، عبر خطة استثمارية منظمة، ستتطلب حكماً أن نضمن الحصول على الموارد حتى لو لم تتدفق المساعدات الدولية! أي أن نخفض حصة أصحاب الربح من الناتج السوري ونوقف الهدر، ونزيد حصة الإنفاق والأجور. أي أن نصادر كل ما نستطيعه من أموال الفاسدين وأثرياء الحرب، وأن نرفع الضرائب على أرباح الشركات والمستثمرين الأجانب والعرب لا أن نخفضها، وأن نمنع إخراج الأموال والأرباح، لا أن نحرر حركتها ونسمح لها بالمغادرة. والضرورات قد تقتضي أن نصل إلى سحب قطاعات كاملة من يد السوق، كتجارة الأراضي العامة، وجزء من تجارة الغذاء الضروري، لنؤمن للسوريين حقوقهم الأساسية في الغذاء والسكن بسرعة.. وكل هذا لا يلائم المستثمرين، الذين يجدون في نموذج الإسكوا و(أجندتها الوطنية) مدافعاً ليبرالياً عن مصالحهم..
هل هذا يعني أن السوريين سيكونون وحدهم في هذه المعركة؟! إن ظرف التغيرات في موازين القوى الدولية، وسعي القوى الصاعدة إلى إيقاف حالة الفوضى التي تستهدفهم بالدرجة الأولى، سيجعل إنجاح إعادة إعمار سورية بشكل مستقر وفعلي، أي وفق حاجات السوريين، مصلحة سياسية مشتركة بين الوطنيين السوريين وبين قوى العالم الجديد، وهو ما سيجد ترجمته الاقتصادية في شكل جديد من التعاون والمساعدات الدولية دون الشروط المجحفة للمساعدات الغربية.
المادة كاملة منشورة في جريدة قاسيون، العدد 785: إضغط هنا