سنوات التقاعد تُسرق مسبقاً
كهول أجلاء, مهنيون وحرفيون وفنيون خبراء, ينتشرون في المعامل والمشاغل والمنشآت الصناعية, يعتمر الشيب رأسهم, وتتحدث التجاعيد المتزاحمة على وجوههم عن مشوار حياتهم وشقاءها, وعن مقدار العرق الذي بذلوه, كي يعيلوا أسرهم ويحفظوا كرامتهم بقرش حلال, (بلغوا من العمر عتياً) وما زال التقاعد بعيد المنال.
لقد تضمنت جميع قوانين العمل السورية حق التقاعد للعامل سواء كان في القطاع العام أو الخاص, ولكن الطامة الكبرى, أن العامل الذي يتقاعد (يطلع عالمعاش) هو في حقيقة الأمر لم تبدأ فترة استراحته من عناء السنين الطويلة بعد, حيث تجبره الظروف المعيشية الصعبة والقيمة الشرائية المتدنية لمعاش تقاعده على الاستمرار في العمل, ولكن هذه المرة في القطاع غير المنظم, فيلجأ للعمل في المشاغل والورش فلا معيل له (بعد الله) غير كّد يمينه, فسياسات الحكومة الاقتصادية المنحازة بالكامل لأصحاب الأرباح على حساب أصحاب الأجور, لم تترك في جيوب الأولاد ما يعيلوا به الآباء, ولم تترك لمجموع الأجور أي قيمة تذكر, ومنها رواتب المتقاعدين, علما أن رواتبهم هذه ليست منحة أو صدقة أو منة, بل هي أمواله التي اقتطعت من أجره طوال سنين الخدمة, وعلى الحكومة أن تتخذ كل الإجراءات اللازمة للحفاظ على كرامة هؤلاء وحقهم بتقاعد كريم بدل أن تتكل على عزة نفسهم التي تأبى القبول بالهبات وتصدق أهل السبيل.