رحلة البحث عن صراف.. طوابير وأعطال ولص متخف بالملابس ذاتها!

رحلة البحث عن صراف.. طوابير وأعطال ولص متخف بالملابس ذاتها!

اعتاد المواطن السوري، أن يصطف على الطوابير ليحصل على أي شيء يقدم من منافذ الحكومة، كالخبز والغاز والبنزين والمازوت والسكر والأرز إن وجدوا. وحتى إن أرداد دفع فواتيره الدورية، عليه انتظار الدور، لكن، وقبل الحصول على أية سلعة أخرى، يجب أن يحصل على راتبه الشهري، وهنا تبدأ معاناة السوريين مع نهاية كل شهر، في رحلة البحث عن صراف يعمل وفيه مال كاف.


بعد فك الارتباط بين المصرف التجاري والمصرف العقاري، زادت معاناة المواطنين اليومية والشهرية التي كانت موجود سابقاً بوطأة  أخف قليلاً، فيما يتعلق بالحصول على المبالغ المالية عبر كوات الصرافة، فقد بات أي شخص مضطراً لأن يبحث جاهداً لساعات عن صراف يعمل وفيه مخزون من النقود في الوقت الذي يقصده به، أو أن يأخذ إجازة يوم كامل كي يحصل على مكان في طابور الصرافات الموجودة عند فروع المصارف، ليتقاضى راتبه الشهري.

خصم من الراتب  في سبيل الحصول عليه!

وقال حسام وهو موظف في وزارة الزراعة «أخذت إجازة ساعتين كي أقبض راتبي من الصراف، لكن البحث عن صراف ومن ثم الوقوف في الطابور، احتاج حوالي 6 ساعات، أي تقريباً الدوام الرسمي كاملاً، وهذا بالتأكيد غير منطقي، كونه سيخصم من راتبي لتأخري عن العودة».

وبدوره، قال عاصم وهو موظف في القطاع الخاص، إن « الوصول لصراف يعمل في بداية الشهر، أشبه بمعجزة، لذا أقوم بتأجيل القبض حتى الأسبوع الثاني من الشهر، لكن هذا لا يمنع انقطاع التيار الكهربائي في الصراف الذي أقصده وبالتالي التوجه لأحد الفروع، وهناك ستكون الطوابير بانتظاري حتماً».

وأضاف «50% من الصرافات غالباً معطلة، 3 صرافات في باب توما معطلة بشكل شبه دائم، وفي ساحة التربية أيضاً، وفي الميسات، وفي مساكن برزة، إن قلت لك أن جميعها يكون معطلاً في وقت واحد عندما كنت أقصدها بداية كل شهر، لا أكون مبالغاً».

لابد من حل

بدوره اضطر نزار الذي جاء من جرمانا إلى دمشق، وهو موظف في القطاع الخاص، أن يبحث عن صراف على طريقه دون جدوى، حتى حط به الرحال عند فرع ساحة المحافظة، ثم الانتظار حوالي ساعة ونصف في الطابور، وبعدها اضطر للعودة اليوم التالي ليعاني المعاناة ذاتها ، كون راتبه 35 ألف، وسقف السحب من الصرافات هو 25 الف ليرة سورية فقط.

يؤكد نزار أن معاناته بدأت مع أول السنة الحالية، حينما اضطر لسحب مبلغ مالي لقاء بعض مستلزمات الأعياد، لكن صرافات العقاري كانت جميعها متوقفة لسبب لم يعرفه، وبعد انتظار 3 أيام، أرسل المصرف رسائل لعملائه تفيد بأن الصرافات عادت للخدمة، إلا أن نزار أكد بأن الخدمة لم تكن قد عادت، وقد اضطر للانتظار يومين تاليين حتى عادت الخدمة.

نزار يطالب كما أغلب من التقتهم «قاسيون»، بإلغاء قرار توطين الرواتب إن كانت هذه العملية ستذل الموظفين مع نهاية كل شهر، والعودة إلى محاسب المؤسسة والتوقيع على الدفاتر بشكل سلس، ويوفر الوقت ومخاطر التنقل على حد تعبيرهم، ويخفف من الضغط على الصرافات.

التجاري يشتكي

أيمن نجم، أمين سر المصرف التجاري السوري، لم يقلل من حجم المشكلة، وبالعكس ربما كان متشائماً في حل القضية أكثر من أحمد حسن العلي، مدير عام المصرف العقاري، الذي رأي أن حل المشكلة قد يكون قريباً عبر ربط الشبكة مابين المصرفين.

نجم أكد في حديث إذاعي أنه «هناك صعوبات تعيق خدمة الصرافات، مثل خروج الصرافات عن الخدمة طيلة فترات تقنين الكهرباء»، التي تحدث مرتين خلال فترة الذروة على الصرافات، من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً.

وبحسب نجم، لا يمكن تزويد الصرافات ببطاريات أو مولدات كهرباء خاصة، بينما يتم فقط تزويد الصرافات التي توجد على جدارن الفروع بالتيار طيلة اليوم.

وأضاف نجم أنه من الصعوبات التي يواجهها المصرف أيضاً، هي ضعف وانقطاع شبكة الاتصالات المقدمة من قبل السورية للاتصالات، إضافة إلى انقطاع الشبكة ما بين الفروع والصرافات.

4 ساعات فقط

ووفقاً لتلك الصعوبات المقدمة، فإن الصرافات، باستثناء تلك الموجودة على جدارن الفروع، لاتعمل في اليوم سوى 4 أو 5 ساعات بحسب نجم، الذي أوضح أن «صرافات الفروع تتابع ما بعد الدوام الرسمي وفي العطل الرسمية، حيث يتم تزويدها بالنقود على مدار اليوم بحوالي 16 إلى 25 مليون في اليوم، بينما لا تزود الصرافات البعيدة عن الفروع بالنقود بعد الدوام ولا في العطل، لعدم المخاطرة بنقل الأموال بمتوسط 8 ملايين ليرة في اليوم».

وأشار إلى أن كوات الصرافة الموجودة عند الفروع تشهد في اليوم مابين 10 و20 ألف حركة، بينما الصرافات الأبعد لاتشهد سوى 50 حركة، وهذا يعتبر أيضاً سبباً لوجود الطوابير على هذه الصرافات بالتحديد.

لا حل قريب

قبل الأزمة الحالية، كان في سورية 500 صراف تابع للمصرف التجاري، لكن خلال هذه الأزمة، خرج من الخدمة نصفها، نتيجة صعوبة الصيانة والعقوبات وأعمال تخريب، أو لوجودها في أماكن يصعب الوصول إليها»، وأضاف أنه في دمشق أكثر من نصف عدد الصرافات على مستوى سورية، حيث تضم 128 صراف، وهي كافية لو أن سحب النقود يتم على هذه الصرافات جميعها بالسوية نفسها».

بالنسبة لنجم، هناك ضغط كبير على صرافات التجاري في هذه الظروف، وخاصة وسط عدد كبير من العملاء، وصل إلى 450 ألفاً تبعاً لعدد البطاقات الصادرة عن المصرف، لكن حل قضية الصعوبات التي يعاني منها المواطنون شبه مستحيلة بالنسبة إليه، فقد قال إن «الربط الشبكي بين العقاري والتجاري، كان موجوداً سابقاً، وتوقف نتيجة مشاكل إدارية وصعوبات في التواصل، وقريباً سيعود من جديد، لكن ذلك لن يحل المشكلة، فالمشكلة قائمة للظروف التي تحدثنا عنها».

والعقاري يشتكي أيضاً

أحمد حسن العلي مدير عام المصرف العقاري، اشتكى من قلة عدد صرافات مصرفه، قائلاً في دمشق هناك 6 مليار و100 مليون ليرة رواتب موطنة لدى العقاري، مقابل 110 صرافات فقط، وهو عدد قليل جداً».

طاقة النظام المصرفي «لا تستوعب أكثر عما هي عليه حالياً» بحسب العلي، الذي قال إن «العبء الملقى على المصرف العقاري أكثر مما يتحمله، فالخدمات جميعها تقريباً تمر عبره، مثل القروض وأقساط طلاب التعليم المفتوح والتعليم الموازي وأقساط التجنيد».

وأردف «عدد الخدمات التي يقدمها العقاري كبير جداً، والصرافات جزء منها، وكل ذلك يؤثر على النظام الأساسي (الكور بانكينغ) فكلما ازداد الضغط، يقابله تراجع في خدمة الصرافات».

الحل قريب

لا يملك المصرف العقاري سوى 187 مصرف على مستوى سورية، والحل لمشكلة الصرافات وفقاً للعلي، هو «بعودة الربط الشبكي مع التجاري، وليس زيادة عدد الصرافات» التي تتم دراستها حالياً، مؤكداً اقتراب إتمام هذا الربط مع المصرف التجاري الذي يملك تقريباً «ضعف عدد صرافاتنا، ويتواجد في أماكن لا نخدمها» وفقاً للعلي.

واشتكى العلي أيضاً من التقنين الكهربائي، ومايسببه قطع ووصل التيار بشكل متواتر، من أعطال على الصرافات، قائلاً إن «انقطاع التيار الكهربائي وعودته مراراً، تعطل الأجهزة، مايسبب ظهور عبارة (عذراً)، علماً أن قطع الغيار تؤمن بشق الأنفس».

ولص للصرافات

وفي سياق منفصل، حذر العلي من رجل باتت ملامحه معروفة، لكنه متخف ولم يستطع عناصر الجنائية أو موظفي المصرف من إلقاء القبض عليه حتى اليوم، بعد أن قام بعدة عمليات نصب، وهو يرتدي الملابس ذاتها.

أطلق على هذا الرجل اسم «حرامي الصرافات» وفقاً للعلي، وهو يقوم بالاحتيال على  كبار السن بأنه يريد مساعدتهم بقبض رواتبهم، فيقوم بسرقة البطاقة وإعادة بطاقة منتهية الصلاحية لهم، بعد أن يعتذر لعدم استطاعته سحب الراتب لهم نتيجة مشكلة بالصراف.