800 ألف عامل متضرر في القطاع الخاص.. ولا من يكترث؟!
من الطبيعي أن تطالب القوى الاقتصادية المتضررة خلال الأزمة بتعويضات عما تعرضت له خلال السنوات الأربع الدامية، الصناعيون والتجار وحتى الحكومة، ولهؤلاء (مولى ونصير) داخل المنظومة الاقتصادية تجعل من مطالبهم بالتعويضات أوامر مسموعة، فالتجار طالبوا مراراً بمزيد من تحرير التجارة والإعفاءات الضريبية وتخفيض الجمارك، نُفذ معظمه. والصناعيون طالبوا بتسوية قروضهم المتعثرة ومزيد من التسهيلات، وتحقق لهم شيئاً منها. الحكومة نفسها ما فتئت ترفع أسعار خدماتها بهذا الشكل أو ذاك.
لكن هل تحقق للطبقة العاملة، وهي أحد أهم القوى الاقتصادية، شيئاً من مطالبها بما يخص تعويضها بشيء عمّا تعرضت له خلال الأزمة؟!
حجم الكارثة
ورد في إحدى الدراسات الاقتصادية المقدمة لجمعية العلوم الاقتصادية مؤخراً، أنه ووفق (التقرير السنوي الصادر عن مديرية المدن والمناطق الصناعية في وزارة الإدارة المحلية، وصل عدد العاملين المتضررين في المدن الصناعية: عدرا، والشيخ نجار، وحسياء، ودير الزور إلى 114627 عاملاً، منهم 41167 عاملاً متوقفاً عن العمل، كما سبق أن أعلنت وزارة الصناعة أن عدد العمال الذين خسروا عملهم إثر توقف معامل القطاع الخاص الصناعي فقط، بلغ 800 ألف عامل، منهم 200 ألف مسجلين في التأمينات الاجتماعية. وقد أدى ذلك كله إلى ارتفاع نسبة البطالة وزيادة عدد الفنيين والعمال المهاجرين ..)!
بناءً على هذه الأرقام فإن نسبة عمال القطاع الخاص الذين خسروا أعمالهم، وبالتالي باتوا دون دخل، تعادل 22% من عمال القطاع الخاص البالغ عددهم في عام 2011 حوالي (3،7) مليون عامل، وتعادل نسبة هؤلاء الذين أضيفوا إلى البطالة حوالي 16% من مجموع القوى العاملة في سورية كلها، وهذا ما يمثل كارثة إنسانية واقتصادية أخرى تضاف إلى المآسي التي تجتاح البلاد.
مخاطر اقتصادية مختلفة
ينبغي الانتباه أن هذه المشكلة المتفاقمة، والتي لا تعيرها أية جهة الاهتمام بل تتركها للتراكم ككرة الثلج، تحمل كماً هائلاً من الأخطار، حيث أن هؤلاء المتضررين بشكل مباشر من الأزمة يضافون إلى البطالة المتراكمة والتي بلغت في عام 2011 معدل 15% وفق المكتب المركزي للإحصاء، وأعلى من ذلك وفق إحصائيات أخرى، وهم يضافون إلى من فقدوا عملهم في القطاع العام والمشترك، وغيرها من القطاعات غير المنظمة، وهؤلاء لم يرفع أحد صوته لأجلهم ليعتبرهم متضررين مباشرين من الأزمة، ويستحقون تعويضات على غرار ما تم إقراره من تعويضات وتسهيلات في الأزمة لقوى رأسمال، كالتخفيضات الجمركية وتمويل المستوردات وإعادة جدولة القروض التي حظي به التجار في ظل الأزمة، أو إقرار نسبة محددة لتعويض الصناعيين عن التضرر في منشآتهم، والمليارات المغدقة للصيارفة.
إن هؤلاء المتعطلين يعتبرون خسارة اقتصادية كبرى للاقتصاد السوري أكثر من خسارة أي رأسمال آخر، فهم قوى عاملة مؤهلة ومدربة صرف على تدريبهم وتأهيلهم الوقت والجده الكثير، كما أن دخولهم التي فقدوها تشكل جزءاً من الطلب الضروري لتحقيق النمو فيما لو كنا نريد الاعتماد على الذات في التنمية والتقليل من الاعتماد على تقلبات أسواق التصدير ومشاكها المرتبطة مباشرة بصعوبات الوضع السياسي.
المساواة بين المتضررين؟!
إن ترك هؤلاء العمال دون أية مساعدة، وهي حق للعمال على الحكومة وعلى قوى رأس المال، والذي قد يرى فيه البعض فرصة لتقليل مستويات الأجور، التي هي بالأساس لا تشكل شيئاً من تكاليف العملية الإنتاجية في ظل ارتفاع الأسعار في الأزمة، ويعتبر إشكالاً اقتصادياً بالحد الأدنى، سندفع تكاليفه الاقتصادية لاحقاً أضعافاً مضاعفة، ناهيك عن تكاليفه الاجتماعية والسياسية التي ندفعها الآن حيث يتحول هؤلاء المتعطلون للعمل مع ميلشيات السلاح المختلفة أو الاقتصاد الأسود، ناهيك عن تحول معظمهم إلى لاجئين بما يحمله ذلك من بعد سياسي خطير لا يكترث له أحد.
إن فكرة (إنشاء صندوق تعطل عن العمل نتيجة الأحداث) من الجهات المسؤولة عن أوضاع العمال كالتأمينات الاجتماعية والنقابات والحكومة، وحتى على قوى رأس المال التي يروي لنا الليبراليون مطولات في ضرورة تحمله لـ(مسؤولياته الاجتماعية)، هو الحد الأدنى الذي ينبغي فعله لمواجهة هذه الكارثة الاقتصادية والإنسانية، والتي ينبغي أخذها فوراً إسوة بباقي المعالجات، التي منحت لقوى رأس المال المختلفة، فهل الطبقة العاملة المنتجة للثروة أقل شأناً من أصحاب الرساميل حتى لا يلتفت لأضرارها أحد؟!