أجر عامل البيع في قطاع الألبسة الجاهزة يعادل فستان سهرة!
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

أجر عامل البيع في قطاع الألبسة الجاهزة يعادل فستان سهرة!

تتعرض الشريحة العمالية التي تعمل في محلات وشركات بيع الألبسة لشتى أنواع الاستغلال، من قبل أصحاب المحلات الذين يتفننون في ابتداع وسائل استنزافهم، حيث تعاني هذه الشريحة كما سائر الطبقة العاملة من تردي أوضاعها المعيشية، وتدني قيمة الأجر الذي لم يعد قادراً على تأمين أدنى الحاجات الضرورية، وكما لكل مهنة خصوصية كذلك الأمر  ينطبق على العمال في هذا القطاع.  

يمكن تصنيف العاملين في هذا المجال وفقاً لعوامل محددة، أولها: مكان المحل ونوعه، وثانيها: وفق اختصاصهم ضمن المهنة، التي تضم اختصاصات عديدة خاصة بالشركات الكبرى –الماركات- أو المحلات الكبيرة، فهنالك مدير الصالة، ومسؤول الصندوق، والباعة، فعمال الأسواق التقليدية الكبيرة كالصالحية، والحمراء، والشعلان، والحميدية، والقصاع، وسنتر الفحامة، تختلف ظروف عملهم عن عمال الأسواق الفرعية، التي يوجد فيها محلات ألبسة كسوق الدويلعة، وجرمانا، ومساكن برزة... الخ وكذلك العمال الباعة في -المولات- دون أن نغفل وجودهم في الأسواق الشعبية، والذي يعتبر قليلاً نسبياً كسوق عاصم في نهر عيشة، حيث يكون صاحب المحل هو البائع في أغلب الأحيان، فما هي أحوال هؤلاء العمال وتحت أية ظروف يعملون؟! 

العمال الباعة

في الشركات (الماركات) 

إن الشركات التجارية الكبيرة التي تعمل في هذ المجال، تعتمد على نشر فروعها في الأسواق الرئيسية والفرعية، والمولات التجارية، وتتميز هذه الشركات بطلبها المستمر للعمالة للاختصاصات كافة، نظراً لظروف العمل القاسية والأجور الشحيحة، مما ينهك العامل، فيترك عمله بحثاً عن الأفضل، فبعد أن يقدم العامل سيرته الذاتية وتوافق الشركة على تشغيل المتقدم بالطلب، يضعونه بأحد الفروع ليعمل دون أن يحددوا له الأجر تحت عنوان «فترة تجريبية»، فيخضعونه لضغط العمل الكبير ممنياً النفس أن يستمر في عمله براتب جيد.

طبعاً يحصل كل ذلك بعد أن يوقع على ورقة بيضاء، تقوم الشركة بتعبئتها لاحقاً بما يناسب مصالحها، وكذلك يوقع على استقالته قبل أن يعمل، منعاً له من أن يطالب بأية تعويضات أو حقوق. أما بالنسبة لمن يشغل موقع «مسؤول صندوق» أو «مسؤول صالة»، فعليه أن يوقع على سندات أمانة فارغة، بحجة أنهم يخشون من السرقة أو النقص بالصندوق و البضاعة.

أما ساعات العمل فتصل إلى اثنتي عشرة ساعة يومياً، من التاسعة صباحاً وحتى التاسعة ليلاً، وتعطى له نصف ساعة استراحة غداء على -حساب العامل طبعاً- والعطلة يوم واحد في الأسبوع، وتلغى في مواسم الأعياد، ولا يسمح للعامل أن يجلس طوال دوامه الطويل.

كل ذلك مقابل أجرٍ وسطي لا يتجاوز 23 ألف ليرة شهرياً، وبعض الشركات تعطي نسبة 5% على المبيع، أي، ومن باب التوضيح، يأخذ العامل على كل مليون ليرة مبيعات مبلغ 5000 ليرة سوريةفقط!

 وزد على ذلك فإن للشركة الحق أن تنقله من فرع لآخر دون الرجوع إليه أو موافقته، وأما الحسومات التي تطرأ على الأجر تحت بنود متعددة، أسوأها على الإطلاق هو تحميل العاملين لتكاليف كل نقص يحصل على البضائع رغم أن هكذا نقص هو أمر طبيعي يحصل في هذا النوع من الأعمال.

 كما أن هؤلاء العمال غير مسجلين من قبل أرباب أعمالهم في التأمينات الاجتماعية أو النقابات، رغم وجود نقابة المصارف التي يتبعون لها، والتي من المفترض أن تمثلهم وتدافع عنهم.

العمال الباعة في المحلّات

لا تختلف ظروف عمال المحلات عن أقرانهم في الشركات من حيث ساعات العمل الطويلة، والأجر الشحيح، وعدم ضمان حقوق العامل التي ينص عليها قانون العمل الخاص بعمال القطاع الخاص، فلا تعويضات، ولا تأمينات، ولا حتى إجازات، ورغم كل التسلط الذي يمارسه رب العمل عليهم تبقى هذه الضغوط أقل من مثيلاتها في الشركات.

في هذه الأيام، والتي تعتبر موسماً أساسياً للألبسة تزداد كل هذه الظروف بشكل أكبر  وأشد، فالعمل يبدأ من التاسعة صباحاً وحتى السادسة والنصف، ويتوقف مؤقتاً من أجل فترة فطور رمضان ثم يعاود العمال العمل من التاسعة ليلاً وحتى الثانية بعد منتصف الليل، ويستثنى منهم عمال سوق القصاع الذين لا يغلقون المحلات بل يفطرون بمكان عملهم بتعويض من صاحب العمل الذي يدفع 250 ليرة فقط للعامل، وهي لا تكفي لثمن وجبة إفطار متواضعة بعد يوم صيام طويل، ويستمر هذا الوضع حتى صباح أول أيام العيد.

إن متوسط أجور العمال الباعة الذي يقدر بـ 23 ألف ل.س هو أجر لا يتناسب مع ضرورات المعيشة، ولا مع الدوام الطويل والمجهد، وهو كذلك لا يراعي المصروف الشخصي الكبير الذي يحتاجه العامل، من أجور النقل كبيرة، وحتى وجبة الغداء، ناهيك عن ضرورة الحفاظ على الشكل اللائق والهندام المصاحب لشروط المهنة. إن استغلال أرباب العمل لحاجة هؤلاء العمال للعمل الكريم بشكل عام، والشركات الكبرى بشكل خاص، يضعنا أمام تساؤلات عن مدى تغاضي حكومتنا عن ظروف الطبقة العاملة، وعن آلاف العمال الباعة الذين يتعرضون لكل أنواع الاستغلال من قبل التجار، الذين يعطون عمالهم أجراً شهرياً يوازي ثمن فستان سهرة مستورد بالقطع الأجنبي في محلّاتهم الرابحة دوماً.