ممنوع.. الفساد
هي الكلمة السحر التي رمتنا سنيناً إلى الخلف، وساهمت مع أصحابها في إفقارنا وهلاكنا الذي نراقبه عاجزين محاولين الخلاص دون جدوى...وهي السر في انتحارنا الاقتصادي والإداري، وهي السر الذي يكبر يوماً بعد يوم ويتسع، ويزداد مريدوه ومعجبوه كأنه صار من عاداتنا، وجزء من ثقافتنا... ثقافة الفساد المهلكة، ودائرة الفساد المتسعة، ولغة الفساد السائدة.
عنوان استفز بي كل أوجاع الذين عملوا بالصحافة المحلية، ونادوا بصوتهم المبحوح أن أوقفوا هذا الفساد، وحاسبوا المستفيدين على وقع موتنا وجوعنا وأحلامنا المنهارة، ولكن لا أحد يسمع حتى الصدى، ولا أحد مد يد العون للغرقى الذين تحولوا إلى مجرد ضفادع تجيد النقيق فقط.
العنوان (ممنوع الفساد في الخبز)...وماذا عن سواه، وكان يجب أن يكون هنا الإطلاق ضرورة، والعنوان (ممنوع الفساد) هو الأصح، الفساد بكافة أنواعه حتى فساد المزاح والنكتة، وأن نبدأ ولو فات الأوان بتنظيف المؤسسات من المرتشين، والانتهازيين، والمستثمرين للقانون، والعاملين على نبش الثغرات في أي قانون جديد.
فسادنا المعمم، في القضاء والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والفكر وكل ما يمس خصوصيتنا كشرقيين، أصحاب تاريخ طويل رسمه أجدادنا على الجدران وفي المدن المنسية، الغارقة منذ آلاف السنين في تراب هذا الوطن، وأن نخرج من كوننا بشراً طارئين ولدنا كما يقول محمود درويش (كما اتفق).
الفاسد يدافع عن فساده بكل ما استطاع من قوة، ويبرر له، ويعتبره (شطارة)، والبعض يمارسه كمهنة، ولا تستغرب إن سمعت أحداً يصف محامياً بأنه قادر على تحويل الحق باطلاً، والباطل حقاً، وله شبكة من الداعمين الفاسدين الذي يرتبون له الدعوات كي تكون على قياس القانون، ولن تستغرب من أحد يخرج لك وثيقة تحتاج إلى شهور بأيام، وموظف في مؤسسة عريقة رابحة يضع لك طلبك الذي يجب أن تنتهي إجراءاته في يوم واحد في درج مكتبه العميق ويقول لك: (راجعني بعد عشرة أيام).
لكي يصبح لكلام أي مسؤول معني يجب أن يعنيه أولاً، وليس لكي يمرر فيه موقفاً صعباً، أو يلتف على مشكلة ويأتيها من خلف...لذلك يجب أن يقال (كل الفساد ممنوع)...وغير ذلك فساد.