الألفية... المهشمة
مؤشراتنا التنموية عادت 30 عاماً للوراء بسبب الأزمة الكبرى التي تعيشها البلاد، وما كان مقرراً أن يتم عليه العمل ضاع في أتون الحرب، التي أكلت المشاريع الطموحة كلها والأهداف الاستراتيجية (على هناتها)، وهذه الأهداف كان مقرراً أن تكون ضمن مشروع الألفية المتوقع إنجازه في 2015... هذا ما يؤكده عميد المعهد العالي للدراسات السكانية، الذي يضيف: بأن سورية كانت قريبة من تحقيق ثمانية أهداف منها ( الوصول للتطعيم الشامل، وخفض معدلات الوفيات، وخفض معدلات الفقر، الحد من الخصوبة... إلخ
وعادت الكثير من المؤشرات التي كادت تنقرض كازدياد التسرب من المدارس بعدما وصلت نسبة الالتحاق لأكثر من 99% بينما تتخطى نسبة التسرب الآن 20%).
نعم... أكلت الأزمة المتوحشة كل هذه الطموحات، التي عمل عليها فريق كامل، أراد انتقالاً كبيراً لحياة السكان السوريين، وأعادتنا إلى بداية الطريق الصعبة، ولكننا ما زلنا نعالج ببدائية الأسباب التي تعيق كل عوامل التنمية قبل الأزمة وبعدها، ونكتفي بالأرقام التي نواجه بها الأسئلة الصعبة، وعلى الأرض واقع آخر لا ترصده الدراسات، ولا تضعه في حساب معوقات أي هدف، والأدهى أنها لا تأخذه على محمل الجد وكأنها تدرس حلماً أو مجتمعاً تم إنجاز أهداف تنميته.
الأهداف الثمانية المتكاملة، التي قيل أن سورية اقتربت من إنجازها مترابطة، وتؤثر في بعضها البعض، ولا يمكن القول باكتمال أحدها دون اكتمال الآخر، ومثال ذلك كيف يمكننا القول بأن نسبة الالتحاق بالمدارس وصلت قبل الأزمة لأكثر من 99% فيما لم ينخفض معدل الفقر، وحصلت هجرات داخلية بسبب الفقر والجفاف لمئات آلاف السوريين.
كيف يمكن الحديث عن نسبة هائلة كالتي ذكرت، فيما ترفع الحكومة الدعم عن أساسيات المواطن السوري وفي مقدمتها الوقود، والتي تسببت بإفقار السوريين عموماً، ووصول أغلبهم لحد الفقر بسبب ارتفاع أسعار أغلب السلع الأساسية، وتخصيص ما يقرب من ثلث التعليم ضمن الخطة الطموحة، وإغلاق الباب على أبوية الدولة وفتحه للسوق المتوحشة كي تنهش الأجساد والجيوب.
كل ما سبق وهو بعض من ممارسات الحكومات المتعاقبة، أدى إلى ازدياد التسرب من المدارس، للالتحاق بسوق العمل، بعد أن أصبحت المدرسة حلماً، ومن أجل مساعدة الأسرة على مواجهة الحياة الغالية، وضعف الثقة بالتعليم كونه في النهاية لا يطعم خبزاً، كنتيجة أوصلت الناس إليها حكومات رأت في المواطن فأر اختبار لأفكارها المستوردة.
الأزمة الوطنية الحادة أطاحت حتماً بالأهداف الموضوعة كلها ولكننا بنيناها على أرض متهالكة، وحكومات حالمة غائبة عن الناس.