الإيدز أيضاً... يقلقنا
لا ينقص السوري إلا هذا الموت الفضائحي، وكأنما كتب عليه أن يذوق ألوانه كافة، وأن تجرّب فيه كل الطعنات، ولا يملك إلا التضرع ورفع اليدين المرتجفتين إلى السماء والدعاء بالفرج وزوال الغمة.
مدير البرنامج الوطني للإيدز في وزارة الصحة الدكتور جمال خميس يعبر عن قلق الوزارة من ازدياد عدد المصابين بالإيدز ولاسيما أن هناك مناطق بكاملها لا يعرف عنها شيء، ويؤكد أن الوزارة تقوم حالياً بعملية استقصاء لضبط المصابين وخاصة في المناطق الآمنة.
أما معطيات القلق حسب مدير البرنامج في إن هناك الكثير من العمليات الجراحية أجريت لمواطنين سوريين في المناطق الساخنة إضافة إلى دخول عدد كبير من الأجانب إلى سورية بطرق غير شرعية قد يكون بعضهم حاملاً لفيروس الإيدز...وأن عدد الحالات المضبوطة في وزارة الصحة منذ عام 1987 إلى عام 2014 لا تتجاوز 500 حالة، وأن عدم اكتشاف حالات أخرى إلى عدم قدرة الوزارة في الوصول إلى بعض المناطق السورية، علماً أن هناك شكوكاً لدى الوزارة بإصابة عدد لا بأس به من المواطنين السوريين في تلك المناطق.
من حق الوزارة أن تقلق، ومن حقنا أيضاً أن نصاب بالذعر، وشكراً للمدير الصريح الذي أبلغنا قلقه ومعلوماته، واعترافه أيضاً، ولكن المشكلة ليست في الإيدز الذي يعرفه السوريون فقط من خلال الأفلام، وعدة حالات خارجة عن أخلاق وذهنية السوريين، ولكنها في الانهيار المرعب الذي بتنا نعانيه أخلاقياً كجزء من الأزمة التي تعصف بالبلاد.
المواطن العادي بات محرجاً من مظاهر الانفلات الأخلاقي الواضح في شوارعنا وحدائقنا، وأيضاً بيوت الدعارة التي كانت تعد على الأصابع في مدن بحالها، صار يشار إليها كما تعد الحوانيت وعيادات الأطباء، وهذا كله بسبب هذا الانزياح البشري غير المتجانس أخلاقياً، والفقر الذي أنتجته الأزمة فصنعت نتائجه التي لا مفر منها الدعارة والجريمة.
لكي نعالج المشكلة علاجاً حقيقياً، يجب أن نذهب أبعد من الوعظ، والتخويف من الموت بالإيدز فقط، بل من الموت بالفساد وتخمة الانتهازية، وتغيير البنية الاقتصادية الاجتماعية، التي أفرزت مظاهر الانحطاط القيمي، وإعادة إحياء قيمنا السورية التي حمتنا قروناً من الأوبئة والجريمة، وأن لا نترك فقراء بلادنا عرضة للشارع وموبقاته؟.