«الليكود» يتداعى.. والخلافات تستعر
فجّر وزير الداخلية الإسرائيلي جدعون ساعر قنبلة مدوّية في الحلبة الداخلية والائتلاف الحكومي الذي يرأسه بنيامين نتنياهو بإعلان استقالته من الحكومة واعتزاله الحياة السياسية لفترة معينة. وقد أثارت الاستقالة علامات استفهام كبيرة على مستقبل حكومة نتنياهو الحالية، خصوصاً بسبب تزايد الخلافات بين مكوناتها.
لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو تعبير هذه الاستقالة عن أزمة كبيرة داخل الحزب الحاكم، «الليكود»، الذي بات في نظر الكثيرين، تحت قيادة نتنياهو، حزباً طارداً.
ومن الوجهة الأولية، فإن استقالة ساعر من الحكومة واعتزاله الحياة السياسية جعل عضويته في الكنيست الإسرائيلية شاغرة، ما يلزم بإشغالها. ولأن «الليكود» دخل الانتخابات الأخيرة في تحالف «الليكود بيتنا» مع حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان، فإن الشخص الذي يحل مكانه هو عضو كنيست من «إسرائيل بيتنا».
ولكن الأخير أعلن أنه فك التحالف الانتخابي مع «الليكود» بعدما تعذرت الوحدة الاندماجية بينهما، ما يعني عملياً أن الليكود خسر عضو كنيست و«إسرائيل بيتنا» كسب عضواً.
ولكن الأهم هو أن خسارة «الليكود» عضو كنيست تعني أن الحزب الحاكم لم يعد الحزب الأكبر في الحلبة السياسية الإسرائيلية بل الحزب الثاني بعد «هناك مستقبل» بزعامة يائير لبيد.
وبرغم أن هذه الحقيقة قد لا تنطوي الآن على أية عواقب سياسية، فبالتأكيد تلعب دوراً مركزياً في تأكيد أن «الليكود» يخسر مكانته وبشكل متزايد. وفي الأعوام الأخيرة خسر «الليكود» ما كان يعتبر اليمين الليبرالي التقليدي من أمثال دان ميريدور وبني بيغين، فإنه خسر اليمين الشعبي مثل موشي كحلون، وهو يخسر المزيد بغياب أشخاص مثل جدعون ساعر الذي كان يعتبر الرجل الثاني في «الليكود» مكانة.
وليست صدفة أن استقالة جدعون ساعر ترافقت مع حملة يشنها نتنياهو لاستعادة مكانته التي تردت في أوساط اليمين التقليدي، جراء ما اعتبروه «خذلاناً» في الحرب على غزة. وقد اتهم اليمين نتنياهو ووزير دفاعه موشي يعلون بل ورئيس الأركان بني غانتس بـ«التردد» و«الخنوع» وعدم الميل إلى حسم المعركة، ما قاد إلى تدهور قدرة الردع الإسرائيلية ليس فقط في مواجهة حماس والفصائل في القطاع، وإنما في نظر العرب والإيرانيين عموماً. وأدى هذا الشعور، الذي يحمّل ساعر بعضاً من مظاهره، إلى اندفاع تيار بقيادة داني دانون، النائب السابق لوزير الدفاع الإسرائيلي، إلى محاولة معاقبة نتنياهو في مركز «الليكود».
ويرى كثيرون أن الحرب الفعلية الدائرة بين نتنياهو ومعارضيه داخل «الليكود»، قادت إلى تقييد حركة ساعر، الذي كان يعتبر خليفة مؤكداً لرئيس الحكومة الإسرائيلي.
وهذا ما دفع كثيرين إلى استذكار الصراعات بين نتنياهو وكل من يمكن أن يشكل خطراً عليه من داخل «الليكود»، ما يعني معارضته القاطعة لبلورة أي بديل حقيقي له. وهذا ما يجعله فعلياً في صراع دائم مع كل مظهر استقلالية في حزبه، خصوصاً إذا كان رمز هذه الاستقلالية في موضع منافسة، وليس مجرد فاعل في الهوامش.
وفي هذا السياق، كتب معلقون إسرائيليون، قبل استقالة ساعر، توقعاتهم باحتدام حدة الخلافات في «الليكود»، وخصوصاً على خلفية حرب غزة الأخيرة. وقد عقد اجتماعان كبيران في «الليكود» في الوقت ذاته الأسبوع الماضي، واحد ضد نتنياهو وسياسته وآخر لتأييده.
ويقف ضد نتنياهو حتى الآن ناشطون ميدانيون أعضاء في مركز «الليكود»، تزداد قيمتهم مع اقتراب الانتخابات العامة. وهناك اليوم أصوات كثيرة في إسرائيل تتحدث عن تقديم موعد الانتخابات، خصوصاً في ظل تصدعات الائتلاف الحكومي، وتحديداً مع كل من ليبرمان ولبيد بالإضافة إلى زعيم «البيت اليهودي» وزير الاقتصاد نفتالي بينت. ويعتقد كثيرون في «الليكود» أن الجهد الكبير الذي يبذله نتنياهو حالياً داخل حزبه يرمي إلى تحقيق هدف واحد: منع إقرار إجراء انتخابات تمهيدية مبكرة لزعامة الحزب. ويرى خصومه أن مساعيه ترمي أساساً إلى سحق كل أنواع المعارضة لسلوكياته ومواقفه لتسهيل دخوله الانتخابات المقبلة من دون معارضة داخلية جدية.
وجاءت استقالة ساعر واعتزاله الحياة السياسية مؤقتاً، في ظل أحاديث قوية عن استعداده للتنافس ضد نتنياهو في الانتخابات المقبلة داخل «الليكود». ولذلك معان كثيرة، خصوصاً أن ساعر كان إلى حتى الماضي القريب، من أشد المقربين لنتنياهو والمعتمد لديه لتشكيل الائتلاف الحكومي.
وقد تنبه المعلقون إلى حقيقة أن ساعر لم يشر، ولو تلميحاً، إلى نتنياهو في كل خطاب استقالته، وبالتأكيد لم يثن عليه. ويعتقد البعض أن الخلاف بينهما بدأ بعد تشكيل الحكومة الحالية قبل عام ونصف العام، بسبب إصرار نتنياهو على استبعاد قيادات تاريخية في «الليكود»، وخصوصاً معركته ضد روبي ريفلين أولاً، لإبعاده عن رئاسة الكنيست، ثم لمنعه، حتى اللحظة الأخيرة، من الفوز برئاسة إسرائيل.
وفي كل حال، فإن «الليكود» سيشهد صراعات شديدة لفترة معينة، أولها ما انفجر فور إعلان ساعر استقالته، حيث تدور معارك دامية بين أعضاء الكنيست من «الليكود» على تولي منصب وزير الداخلية، الذي يعتبر بين المناصب الأهم في الحكومة.
ولذلك، ثمة من يشير إلى أن استقالة ساعر تحمل لنتنياهو بشارة خير مؤقتة ونذير شؤم لاحق. فقد تخلص رئيس الوزراء الإسرائيلي لفترة قريبة من منافس قوي على الزعامة، لكنه في الوقت ذاته، أفقد الليكود القدرة على الفعل. فموشي كحلون يفكر في إنشاء حزب منافس، وليس مستبعداً أن ينضم لهذا الحزب عدد من الساخطين على نتنياهو، والذين قد يشكلون وزناً كبيراً في أي انتخابات قريبة مقبلة.
المصدر: السفير