مصادرة أراضي الضفة الغربية: «إسرائيل» تسعى لشطب «الخط الأخضر»
في أكبر عملية مصادرة للأراضي الفلسطينية لغرض توسيع الاستيطان، جرى الإعلان عن تخصيص أربعة آلاف دونم من أراضي الضفة الغربية المحتلة، وضمها إلى مستوطنات «غوش عتصيون» وإنشاء مستوطنة جديدة.
ويأتي هذا القرار في حمّى الاندفاعة الصهيونية للرد على المقاومة الفلسطينية، وبدعوى الثأر لمقتل المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية قبل حوالي شهرين.
وترافق هذا الإعلان مع تراجع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن مخطط سابق أعلن عنه في إطار «الرد الصهيوني» ذاته، وقضى بإنشاء 2500 وحدة استيطانية جديدة. وتأتي هذه الإعلانات في حمى الحديث الفلسطيني عن التوجه إلى المؤسسات الدولية لإعلان فلسطين دولة محتلة، وفي ظل التنديد الدولي بالاستيطان واعتباره عقبة أمام السلام.
وبحسب ما أعلن في إسرائيل في اليومين الأخيرين، فإن وزير الدفاع موشي يعلون بادر، والمجلس الوزاري المصغر أقر، والنتيجة أن أربعة آلاف دونم في وسط الضفة الغربية أعلنت كـ«أراضي دولة» لتسهيل ضمها إلى مستوطنات «غوش عتصيون» ردا على مقتل المستوطنين الثلاثة. وأشارت «يديعوت احرونوت» إلى أن الهدف الأساس من هذا الإعلان عن هذه المساحة الكبيرة من الأراضي هو إنشاء مستوطنة كبيرة أخرى في «غوش عتصيون» توفر تواصلا جغرافيا بين المستوطنات ومناطق الخط الأخضر.
ولم يعد القرار بهذا الشأن حبيس أدراج وغرف مغلقة، بل تم الإعلان رسميا عنه من جانب منسق الأنشطة الإسرائيلية في الضفة الغربية. وطلب المنسق من الفلسطينيين الذين لهم اعتراضات تقديم استئناف ضد الأمر خلال 45 يوما. ومعروف أن الأراضي التي أعلنت هذه «كأراضي دولة» هي أراض تتبع إلى خمس قرى فلسطينية تقع بين بيت لحم والخليل قريبا من حدود الضفة الغربية مع مناطق الـ 48.
وكان القرار قد أعلن بداية من الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية في الأسبوع الماضي عن 3799 دونما من أراضي قرى جباع، صوريف، وادي فوكين، حوسان ونحالين «كأراضي دولة». وجاء قرار الإدارة المدنية في 25 آب الماضي بعد طلب رسمي من المستوى السياسي للرد على مقتل المستوطنين الثلاثة، وبهدف شطب الخط الأخضر الذي هو حدود العام 1967 بين «غوش عتصيون» ومناطق الـ 48.
وتشير كافة المعطيات والدلائل إلى أن القرار الجديد يضاف إلى سلسلة من الخطط والقرارات التي تجسدها إسرائيل لتوسيع «غوش عتصيون» وربطها بالقدس المحتلة ومداخلها. وكانت إسرائيل قد أعلنت في نيسان الماضي عن 984 دونما «كأراضي دولة» في «النبي دانييل». كما أنها حولت موقع «جفعوت للناحال» إلى مستوطنة تعليمية قبل تحويله إلى مستوطنة عادية في هذا الإطار.
وأعلن رئيس المجلس الاستيطاني الإقليمي في «غوش عتصيون» دفيدي بريل أن «الإعلان عن أربعة آلاف دونم كأراضي دولة، يمهد الطريق لإنشاء المدينة الجديدة جفعوت في غوش عتصيون. وأنا أهنئ رئيس الحكومة وحكومة إسرائيل على تجسيد المبادرة، ووزير الدفاع ورئيس الإدارة المدنية على الاستعجال والتنفيذ الفعلي للقرار».
ورغم أن مثل هذه الخطوة تأتي في سياق المعارك الحزبية الدائرة بين اليمين واليمين الأشد تطرفا داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية، وفي «الليكود»، إلا أنه من المؤكد أنها تستثير الكثير من الاحتجاجات الدولية والمحلية. وحتى أن وزيرة العدل، عضو الكابينت، تسيبي ليفني، التي تعرف بالالتزامات الإسرائيلية لأميركا، بعدم إنشاء مستوطنات جديدة، قالت إن «هذه الخطوة، كعمل عقابي ضد الإرهاب، تلحق الضرر بالكتل الاستيطانية». وحسب كلامها فإن هذه الخطوة تضر بمكانة إسرائيل في فترة هي أحوج ما تكون إلى الدعم في العالم.
كما أن الأمين العام لحركة «السلام الآن» الإسرائيلية ياريف أوفنهايمر قال إن «هذا القرار يعني غرس خنجر في ظهر (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن: فحكومة إسرائيل تدير ظهرها مرة أخرى للمعتدلين الفلسطينيين».
وقد انطلقت الإدانات من كل جانب للخطوة الإسرائيلية. فقد طالبت السلطة الفلسطينية بإلغاء القرار الذي يعقد في نظرها العملية السياسية، خصوصا أن كل المشروع الاستيطاني غير شرعي ويتعارض مع القانون الدولي.
لكن الانتقاد جاء أساسا من الإدارة الأميركية، التي اعتبرت على لسان متحدث باسم وزارة خارجيتها أن القرار لا يفيد مساعي السلام الجارية، وطالبت بتغييره. وقال «إننا سبق وأوضحنا أننا نعارض استمرار البناء في المستوطنات. وهذا الإعلان، كما كل إعلانات إسرائيل بشأن المصادقة على خطط بناء في المستوطنات ونشر عطاءات، لا يفيد الهدف المعلن لإسرائيل في التوصل إلى حل الدولتين».
وحملت الحكومة البريطانية أيضا على الإعلان، ودانت «القرار الإسرائيلي بمصادرة أراض حول المستوطنات في غوش عتصيون». وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند إن «هذا قرار غير متزن، يلحق الضرر بمكانة إسرائيل في الحلبة الدولية، ويأتي في وقت ينبغي أن تكون فيه الأولوية للبناء في وقت وقف النار في غزة». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان ندال إن باريس «تدين وتدعو السلطات الإسرائيلية إلى العدول عن قرارها».
واعتبرت وزارة الخارجية المصرية، في بيان، القرار الإسرائيلي «خطوة غير إيجابية، تتناقض مع القانون الدولي وسيكون لها تبعاتها السلبية على مسار عملية السلام». وأضافت إن القرار يمثل «عقبة كأداء أمام الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية نهائية تستند إلى حل الدولتين، الذي توافق عليه المجتمع الدولي وقرارات الرباعية الدولية».
وكان موقع «والا» الإخباري الإسرائيلي ذكر أن نتنياهو أمر بنشر عطاءات لتسويق 2500 وحدة استيطانية في مستوطنات الضفة الغربية، ردا على مقتل المستوطنين الثلاثة، لكنه تراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة.
وأشار الموقع إلى أن سكرتير الحكومة الجنرال أفيحاي مندلبليت هو من أدار معالجة الأمر، حيث اتفق مع رؤساء مستوطنات على إنشاء 1500 وحدة خلف الخط الأخضر في القدس الشرقية المحتلة وألف وحدة أخرى في مستوطنات «أرييل» و«عمانويل» و«بيتار عيليت». لكن نتنياهو وخشية ردود الفعل الدولية الشديدة على ذلك قرر الاحتفاظ بالمشروع في الأدراج وعدم السير فيه.
وأشار الموقع إلى أن المستوطنين عادوا في الأيام الأخيرة لمناقشة سكرتير الحكومة في ما يعتبرونه «التجميد الصامت» للبناء في المستوطنات. وليس مستبعدا أن الإعلان عن الاستيلاء على أربعة آلاف دونم «أرض دولة» غربي «غوش عتصيون» هي بين نتائج هذا النقاش. وأوضح موقع «والا» أن الحرب على غزة كانت بين العوامل التي أعاقت الإعلان الإسرائيلي عن الإجراءات الاستيطانية العقابية إثر مقتل المستوطنين الثلاثة.
المصدر: السفير