كتائب (أبو) علي مصطفى تستكمل مشواره
ما أجمل أن تاتي الذكرى 13 لاستشهاد القائد (أبو) علي مصطفي عشية انتصار شعبنا على العدوان الحالي, وإفشال إهدافه وتحطيم غروره وصلفه وعنجهيته وانصياعه للجزء الاهم من المطالب الفلسطينية: فتح المعابر كمرحلة اولى لفك الحصار.
أبو علي مصطفى شهيد مضى في أفق رحب وأرض فلسطينية أقسمت منذ الأزل على أن لا تستكين لغاصب. شهيد يمضي يزرع ضوءه في عتمة الليل مضيئا لآخرين يستكملون طريق الحرية. شهداء خرجوا ويخرجون من دمائهم... يحاولون الوفاء لعهد الأرض, يمتشقون أجسادهم, حبر تفاهم بين أشياء الطبيعة ومعاني الوطن.. يخترقون الأسوار.. يجتازونها رغم الصعاب.. يزرعون التضحية وردا لاجيال فلسطينية أخرى ستاتي. هكذا الفلسطيني ينزرع في قضيته سنديانة تاريخ.. حاضر.. ومستقبل. ما أصعب الكتابة عمّن مضوا شهداء وما زلت تعتبرهم أحياء! لعله العقل يرفض التصديق, فأنت تحس أنهم موجودون، ولعلّهم بألقهم يفرضون حضورهم عليك وعلى الآخرين، ولعلها النهايات التي ترفض تصديقها, ولعله الاختلاط بين ما هو واقع, وما تود أن تراه باعتباره متخّيلاً يحتل ركناً كبيراً في الوعي.
أبو علي مصطفى كما شهداء شعبنا.. هو عناق الشهداء وسيد الكلمة. ثلاثة عشر عاماً مضت على غياب جسده القسري, لكن فكره ومبادءه وكلماته استوطنت قلوب شعبه, ومضت طيفاً وأفقاً سابحين في سماء فلسطينية، تسقسق مع العصافير لحن المقاومة الخالد، ترتل النشيد الفلسطيني السابح في نسغ الحروف.. تملأه أملاً بربيع قادم لا محالة، تروي ظمأ زيتونة ظلّت صامدة عبر مراحل التاريخ... وكأنها أدركت شكل الحنين الأزلي إلى الوطن! تجسدت في جذعٍ, خط عليه أبناء شعبنا حقيقة الارتباط بين الكنعاني تاريخاً والفلسطيني حاضراً ومستقبلاً وبين الانتماء للأرض،هذا النابض عشقاً لثراها! ندرك أن حبات ثرى فلسطيننا التحمت مع أجساد شهداء شعبنا عبر التاريخ... ومع احورار مآقيهم, لتكون مصدراً للصلابة الساكنة في أفئدة مناضلينا وأبناء شعبنا وبناته .
العدو الصهيوني كما عادته ومثلما حاول مرارا من قبل وما يزال, تزوير التاريخ, واختراع أساطير وأضاليل جديدة لوجه وطننا, الفلسطيني العربي الكنعاني, لا يدرك: أن أرض فلسطين تضئ وجه القمر, تظلل السماء بعبق زيتها العتيق, وحبات زيتونها, وأريج أزهار برتقالها وليمونها، تنزرع خلوداً قبل التاريخ, الذي أخذ صفحات وجهه من أزليتها وأبديتها الخالدة. هذا العدو يمارس حرب إبادة جماعية لشعبنا, يود أن لا يرى فلسطينيا واحدا على الأرض, لأنه سيظل يقاوم, وسيولد جيل آخر من جديد يحمل القضية ويصنع من احتلاله لأرضنا, جهنم حمراء, وسيضطر مهما طال الزمن أو قصرإلى حمل احتلاله على كاهله ويرحل, ففلسطين من النهر إلى البحر هي أرضنا, وطننا الذي لم ولا ولن نفرط في ذرة واحدة من ترابه. اما العدو فهو غاز مثل كل الغزاة , طارىء, مشروع استعماري محض, والوطن لا يصنع سلاما مع عدو, تتحول حبات ترابه إلى سلاح مقاوم. نعم... فلسطين لا تقبل القسمة على اثنين.. إنها لنا وحدنا .
ليس أفضل وأغلى على روح الشهيد من ضمان استمرار كفاحه من أجل تحقيق الاهداف الوطنية لشعبه وقضيته, التي مضى من اجلها. ساعتها يحس ويشعر: بان دمه وكل شهداء شعبنا لم يذهب هدرا. حينها لو جرى تخييره : بين الشهادة مرة ثانية وبين التوقف عن النضال... فحتما سيختار الشهادة. رفاق (أبو) علي مصطفى ظلوا أوفياء له ولشهداء جبهته وثورة شعبنا وشهدائه.
من أبرز معاني الوفاء والتضحية من أجل قضيتنا الوطنية: ما يجسده هؤلاء النفر من أبطالنا المخفيين عن العيون (بفعل مسؤوليات نضالهم وضرورة اختفائهم لدواعي سرية) من نضالات صلبة وقتال مرير في مواجهة العدوان الصهيوني. إنهم أبطال ما وراء الستار. إتهم الجنود الخلفيون لصمود ثورتنا في مواجهة أعتى آلة حربية. نعم, إنهم مقاتلو الاجنحة العسكرية كلها للفصائل الفلسطينية المقاتلة المقاومة قولا وفعلا للعدو... يواصلون الليل والنهار وفي ظروف غاية في الصعوبة من اجل الاستمرارفي رفع الراية الفلسطينية لتظل عالية خفاقة, ومن اجل رد العدوان إلى نحرمقترفيه المجرمين, ومن أجل أن يبقى شعبنا مرفوع الهامة. من بين كتائب فصائلنا المقاومة: كتائب الشهيد (أبو)علي مصطفى.... الذراع العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
مارست الكتائب دورها القتالي النضالي منذ تأسيس الجبهة الشعبية. كانت تعمل تحت اسماء مختلفة. التأسيس الرسمي لها هو عام 2000. مع بداية انتفاضة الأقصى وكان تحت اسم «قوات المقاومة الشعبية». في 27 أفسطس عام 2001 اغتالت يد الغدر الصهيوتية (أبو) علي مصطفى الامين العام للجبهة الشعبية. بعد ذلك أطلقت الكتائب على نفسها اسم " كتائب الشهيد أبو علي مصطفى "وفاء لذكرى الشهيد الراحل. لم يمض على اغتيال (أبو) علي سوى 40 يوما حتى قامت الكتائب باغتيال الفاشي الصهيوني رحبعام زئيفي وزير السياحة الإسرائليين وأحد أعتى المتطرفين المستوطنين. كما قامت بتفجير موقع " ناحال عوز" الإسرائيلي.جن جنون إسرائيل وقادتها.
لقد تجسدت نضالات الكتائب وما تزال في المهام القتالية المختلفة: تفجير العبوات الناسفة ضد العدو الصهيوني و مهاجمة المستوطنات والحواجز العسكرية, قصف المواقع العسكرية, مهاجمة الجنود الإسرائيليين والمستوطنين, قصف المواقع الإسرائيلية بالصواريخ الطويلة والمتوسطة والقصيرة المدى .نشطت الكتائب إبان انتفاضة الاقصى واثناء العدوان الصهيوني على القطاع 2008 – 2009, والعدوان في عام 2012, وفي العدوان الحالي 2014. قدمت الكتائب شهداء عديدين وما تزال. منذ فترة قريبة, وجهت أربع رسائل إلى شعبنا فحواها: ما زال في حوزتها الكثير من الاسلحة القادرة على تحطيم اهداف العدوان. أن ردها سيكون دوما حازما وحاسما. وان معركتها ومقاومتها مستمرة طالما بقي الاحتلال. شكلت مع الاجنحة العسكرية الاخرى للفصائل: غرفة عمليات واحدة وقيادة مشتركة للإشراف على معركة المواجهة. الكتائب نشيطة في تغطية إنجازاتها على الصعيد الإعلامي. بقيت وما تزال وفية لدماء شهدائنا وللشهيد القائد (أبو) علي مصطفى وتستكم نضالاته وكفاحه.
جاء قراراغتيال (أبو)علي، على أعلى مستوى, لم يغتالوه بقذيفة بل بصاروخ طائرة، لحقدهم عليه، وكأنهم يريدون محو خلايا جسده من الوجود، تماماً, ودوا لو يُخفونه من الطبيعة وعن الأرض. خسئوا، فخلايا جسده الطاهر تحولت ريحاً قوية وإعصارا يصر على كنس هؤلاء الأعداء عن أرضنا، مثل كل الأعداء السابقين، سكنت دماؤه شرايين أبناء شعبه, لتتحول إلى مزيد من الإصرار في المضي بالمشروع المقاوم حتى تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني.
في ذكرى استشهاد (أبو) علي نستذكر كل الشهداء القادة في ثوراتنا على مر التاريخ. نستذكر كل شهداء شعبنا وامتنا العربية الذين قضوا من اجل فلسطين ومن اجل كل القضايا والمعارك الوطنية العربية. نستذكر الشهداء من اصدقاء قضيتنا على الساحة الدولية. نستذكر أسرانا وجرحانا. النصر لقضيتنا العادلة.
المصدر: القدس العربي