وعود أوباما المتأخرة وتداعياتها على تركيا والأردن

وعود أوباما المتأخرة وتداعياتها على تركيا والأردن

بعد مراهنات متعددة الأقطاب على القوى السلفية والتكفيرية وداعميها امتدت لنحو سنتين من الزمن، قرر الرئيس أوباما تسليح تلك القوى علنا بعد تلقيها سلسلة خسارات ميدانية وبشرية وتسليحية قاسية في سعيها لتقويض سيطرة الدولة السورية على أراضيها.

وذلك في أعقاب نجاحات ميدانية هامة حققها الجيش العربي السوري على المنطقة الحدودية مع لبنان، وقطع شريان الإمداد من هناك. الأسلحة المقررة سيتم إدخالها عبر الأردن وتركيا.

إعلان البيت الأبيض لتقديم الدعم عبر “المجلس العسكري الأعلى،” برئاسة الضابط المنشق سليم ادريس ليس فيه مفاجأة، إذ طالما سعت الولايات المتحدة ترويجه وتسويقه لقاء خدماته ووعوده بعدم التعرض لجبهة الجولان والقوات “الإسرائيلية،” بل لسعي عدد من المنشقين ورموز المعارضة طمأنة “إسرائيل” بانها لا تضمر أي مشاعر عداء نحوها، وإنما ستحقق أهداف “إسرائيل” في التصدي لقوى المقاومة وعلى رأسها حزب الله. كما واكب الإعلان الأميركي جدل واسع في الأوساط الدولية لتوجيه الاتهامات للدولة السورية باستخدامها الأسلحة الكيميائية وان على نطاق ضيق، لإيجاد مبرر للتدخل العسكري نظرا لتجاوز “الخط الأحمر” الذي أرساه الرئيس أوباما حول المسألة، في سعيه لإرضاء خصومه السياسيين من ناحية، وامتلاك ورقة ضغط إضافية للتفاوض مع روسيا.
 “توسيع نطاق الدعم” الأميركي لقوى المعارضة سيتجسد عبر شحنات للأسلحة الخفيفة – من بنادق وذخيرة؛ يعززها الإبقاء على بعض بطاريات صواريخ باتريوت وطائرات مقاتلة من طراز اف-16 في الأردن بعد الانتهاء من مناورات “الأسد المتأهب” هناك، وزعم بعض القادة العسكريين دون إسناد بأن الترسانة الأميركية في الأردن لن تستخدم لفرض منطقة حظر جوي في الوقت الراهن.
في هذا الصدد، ينبغي لفت الانتباه الى ماهية “الذخيرة” المقصودة. فقوى المعارضة السورية لديها طفرة من رشاشات كلاشنيكوف وتعاني من نقص في ذخيرتها، مما يدل على انها تستعيض بكثافة نارية للتغطية على مستويات التدريب المتدنية في صفوفها. الأمر الذي من شأنه زيادة التحديات طويلة الأجل على وسائل الدعم اللوجستي نظرا لقدرة عنصر جيد التدريب على استهلاك كمية عالية من الذخائر تعادل وزن الرشاش في اقل من يوم من الاشتباكات. ما يعنينا في هذا الصدد، بصرف النظر عن تبريرات الرئيس أوباما لطبيعة النطاق المحدود للدعم، فانه قد يجد نفسه مضطرا للحفاظ على ذات المستوى من الدعم، على الأقل، خشية انهيار سريع للعناصر المسلحة التابعة للمجلس العسكري الأعلى؛ بالمقابل، تستمر الدولة السورية بتلقي الدعم دون انقطاع من روسيا وايران في مستويات الأسلحة الخفيفة وذخائرها.
أضحى إعلان الرئيس اوباما مادة للسخرية وتقريع لسياساته، إذ أوضحت يومية واشنطن بوست انه “عندما بدأت الثورة السورية علمانية مطالبة بالحرية والديموقراطية، كان من الطبيعي أن تدعمها الولايات المتحدة، لكنها لم تفعل؛ أما الآن وقد باتت تشبه الحرب الإقليمية بسبب تداخلاتها، قرر الرئيس التدخل. بماذا؟ بسلاح خفيف وذخيرة … لكن الولايات المتحدة خسرت موقعها في الشرق الأوسط، أولاً بالانسحاب كلياً من العراق، وثانياً بعدم التدخل بشكل أكثر فعالية في سورية.”
من الثابت في ساحة المواجهة ان الأسلحة الخفيفة غير مهيأة للقتال ضد المدرعات أو الطائرات المقاتلة السورية، الأمر الذي يفسر خلفية حض الضابط المنشق سليم ادريس للقوى الغربية تزويده بمنصات إطلاق وصواريخ مضادة للطيران وللمدرعات والتوجه لإعلان منطقة حظر جوي، إمعاناً في زعمه بأنه لو تم إمداده بأسلحة نوعية، وخاصة أسلحة هجومية، باستطاعته آنئذ هزيمة الجيش العربي السوري خلال ستة أشهر. يترافق هذا التوجه لمحور الدول المعادية لسورية مع تقاطع معلومات تشير الى شروع السعودية بتسليم المعارضة صواريخ مضادة للطائرات منذ نحو شهرين من الزمن.
ثبوت نسبة الرأي العام الأميركي على أغلبية عالية ضد التدخل العسكري في سورية لم يشكل أولوية لدى أوباما بغية إرضاء الأقطاب السياسية المتعددة المطالبة بالتدخل، والتي كان آخرها ما رشح من خلافات واضحة بين وزير الخارجية جون كيري، المؤيد للتدخل، وبين رئيس هيئة قيادة الأركان المشتركة، مارتن ديمبسي، غير المتحمس لعمل عسكري وربما معارض له. ودرجت الأوساط الغربية، ولفترة زمنية قريبة، على ترديد رغبتها بان “أيام الأسد المتبقية معدودة،” مما وفر قدرا إضافيا من المناورة للرئيس أوباما تأسيسا على الانتظار والترقب. بيد ان تسارع التطورات الميدانية وميل موازين القوى لصالح الجيش العربي السوري، في فترة زمنية قياسية، ناقض النزعات الرغبوية الغربية لإقصاء الرئيس الأسد والإطاحة به دون عامل التدخل العسكري المباشر.
حينها اسقط من يد أوباما حيز المناورة واشتداد الضغط عليه للمبادرة بعمل ما، وتمحورت الإرشادات والنصح من كافة القوى المؤثرة في القرار السياسي حول دخول بطاريات وصواريخ باتريوت أرض المعركة يرافقها نشر سلاح الجو (لحلف الناتو) لتثبيت حظر للطيران فوق الأجواء السورية. كان بوسع تلك التطورات إرضاء خصومه وإسكات معارضيه، بيد ان حقيقة ما تتطلبه تلك الإجراءات من وسائل دعم لوجستية هائلة كان أعلى بكثير مما راهن عليه أوباما لفرضه من إجراءات لمدة زمنية معينة.
يشير البعض إلى أن مرتكزات السياسة الخارجية للرئيس أوباما تسير في منحى بحيث لا تتعارض مع الأولويات الأخرى التي ينوي تحقيقها. إذ من البديهي إن أية محاولة للتدخل في سورية تستوجب المراهنة على استنفاذ الرصيد السياسي الراهن، والمغامرة بارتكاب أخطاء، وإثارة حفيظة بعض الحلفاء الداخليين والمناوئين معا. وقد أشار أحدث استطلاع للرأي العام، أجراه معهد راسموسن يوم 20 حزيران الجاري، الى معارضة نحو 55% من الأميركيين قرار الرئيس أوباما بتسليح المعارضة السورية، وأعربوا عن اعتقادهم بأن تلك الأسلحة “النوعية” ستجد طريقها الى الفئات والقوى المناهضة للولايات المتحدة. كما يدل الاستطلاع إلى تدني نسبة التأييد الشعبي لسياسة الإدارة الأميركية في سورية.
هذا فضلا عن الكلفة الإجمالية المرافقة لعدم التدخل مما يضع أوباما في مصاف الزعيم العاجز أمام الانتصارات المتتالية للرئيس الأسد. وعليه، جهدت الإدارة الأميركية لترسيخ الانطباع بانها في صدد القيام بعمل ما، دون التأثير على مجريات الصراع الدائر في سورية. ترجم أوباما وعوده بتسليح المعارضة المسلحة بالذخيرة والأسلحة دون تجاوز نطاق الالتزام الذي رسمه مسبقا. كما بوسع عملية التسليح، رغم وعودها الوردية لخصومه السياسيين والعناصر المسلحة على السواء، ان تخفف من حجم الضرر الذي قد يطال المصالح الأميركية ان وقعت الأسلحة بأيدي المتمردين الإسلاميين في سورية.

مغزى الأسلحة الأميركية على الميدان

بالرغم من شح المعلومات الموثقة حول أعداد وحجم تلك الأسلحة، باستطاعتنا إلقاء نظرة وتأمل انعكاساتها على مسار الصراع.
جلي للحظة ان الجيش العربي السوري دخل مرحلة صعود استراتيجية في قتاله، واتخاذ زمام المبادرة وشن هجمات ضد العناصر المسلحة في شمالي البلاد ومحيط مدينة حلب، بل استطاع تحقيق إنجازات حاسمة لمسار الصراع.
في هذا السياق، قد تترك الأسلحة الأميركية أثرها على صعيدين، بالرغم من ان المناطق الريفية السورية مفتوحة        يسيطر عليها سلاح المدرعات السورية، فان الأسلحة الخفيفة تصبح أفضل مواءمة بين ايدي مجموعات صغيرة داخل المدن. دخول سلاح المدرعات الى المدن والأزقة يخفف من فاعليته سيما وان بضعة أسلحة مضادة للدروع بإمكانها شل حركته – كما شهد العالم في ملحمة ستالينغراد ابان الحرب العالمية الثانية. المبادرة وفعالية التصدي تقع على عاتق وحدات تخوض حرب شوارع، ومن بيت لبيت؛ وهذا الأمر يتطلب استخدام أسلحة رشاشة وقذائف يدوية وعبوات متفجرة.
الاستخدام الفعال للأسلحة الخفيفة بأنواعها المتعددة قد يسهم في تعزيز مكانة الجيش الحر أمام المجموعات الأخرى للمتمردين، سيما وان هناك إجماع بين الأوساط الأميركية على توفر أفضلية تسليحية لعناصر جبهة النصرة مقارنة بالمجموعات الإرهابية الأخرى. اذ تشير التقديرات الى تجنيدها لنحو 10،000 عنصر بين مقاتل ومؤيد داخل الأراضي السورية. على المستوى النظري، توفير أسلحة نوعية للجيش الحر من شأنه أبطال مفعول سيطرة النصرة ودعم قواته للتصدي الفعال لمحاولات عناصر القاعدة الاستيلاء على مزيد من الأراضي ووضعها تحت سيطرته.
من شأن الأسلحة الخفيفة أيضا، في المدى المنظور، إبقاء سيطرة المسلحين على مناطق معينة بمدينة حلب لكنها غير فعالة في شن هجوم او التصدي للجيش العربي السوري، لا على مستوى الأرياف او في الأجواء. حصيلتها ستؤدي الى وقوع مزيد من الإصابات بين صفوف المعارضة.
بعض التسريبات الإعلامية تفيد بان أسلحة ثقيلة هي في الطريق الى قوى المعارضة. موقع الاستخبارات “الإسرائيلية” ديبكا أعلن ان الأوروبيين ودول حلف الناتو قد سلمت المعارضة السورية صواريخ مضادة للدروع وللطيران ومدافع عديمة الارتداد عيار 120 ملم. وأوضحت ان تلك الأسلحة رست في تركيا والأردن وتم نقلها إلى مدينة حلب ولجنوبي سورية، تباعا.

الأردن وتركيا

الثابت ان دور الأردن وتركيا قد تعزز بالسماح لشحن الأسلحة عبر أراضيهما، مع إدراك تام لسخونة الأوضاع وما قد يترتب عليها.
فتركيا لا تزال مسرحا للتظاهر والاحتجاجات التي أشعلها تحدي رئيس الوزراء اردوغان بتحويل حديقة عامة الى منطقة تجارية. ومنذ بداية الصراع في سورية، لعبت تركيا دورا محوريا لمرور الأسلحة الى قوى المعارضة. كما انها تستضيف على أراضيها عدد من القواعد العسكرية التابعة للولايات المتحدة وحلف الناتو، والتي استخدمتها القوات العسكرية الأميركية كمحطة عبور لمعداتها وقواها البشرية في العدوانين على العراق وأفغانستان. كما لعبت قاعدة انجرليك الجوية الضخمة دورا محوريا كنقطة تجميع للأسلحة الأميركية الذاهبة إلى قوى المعارضة السورية.
تسيطر قوى المعارضة المسلحة على شريط ضيق بمحاذاة الحدود التركية يتيح لها حرية الحركة نسبيا ونقل الأسلحة عبره. في المقابل، يحشد الجيش العربي السوري قواته في منطقة مواجهة قد تشكل منصة انطلاق له لاستعادة السيطرة على الشريط الحدودي عينه واقفال ممرات عبور الأسلحة المنتشرة، ربما قبل استعادة السيطرة على مدينة حلب وريفها.
في سياق الاحتجاجات التركية المستمرة، باستطاعة خطط الجيش السوري بالقرب من الحدود المشتركة التأثير على ما يجري لمصلحته. فالمنطقة الشرقية الجبلية هي تحت سيطرة الاكراد السوريين والأتراك معا. تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في تركيا قد تحفز المسلحين الأكراد في تركيا على اعتراض ومصادرة شحنات الأسلحة والمعدات لاستخدامها ضد الحرب المستمرة على اردوغان. لو افترضنا دخول شحنات الأسلحة الى الداخل السوري، فباستطاعة الأكراد المسيطرين على قسم كبير من الأراضي السورية في الشمال الشرقي تشكيل عائق للأسلحة المتجهة للجيش الحر.
 كما لا ينبغي إهمال أهمية العامل الاقتصادي في المعادلة التركية، سيما مع ارتفاع نسبة البطالة 5% عما كانت عليه العام الماضي. أيضا تراجع معدل الاستهلاك الى 2% إضافية عن العام الماضي. ومنذ اندلاع الاحتجاجات هبط مؤشر سوق الأسهم في استانبول لنحو 10%، رافقه ارتفاع كلفة القروض البينية إلى 50%. تحسن الوضع الاقتصادي كان العامل الأول في الصعود السياسي لاردوغان والمراهنة على كسب دعم قطاع الناخبين الذين لا يثقفون ببرامجه الإسلامية، كتلك التي تحد الاتجار واستهلاك المواد الكحولية. تعثر أداء الاقتصاد التركي سيقوض مستقبل اردوغان ومستقبل شريط إدخال الأسلحة إلى سورية.
فيما يخص الأردن والسماح لشحنات الأسلحة عبور أراضيه، تشير معلومات موثقة الى رسوّ 300 عنصر من البحرية الأميركية، المارينز، وانتشارهم في الشطر الشمالي للبلاد بمحاذاة سورية، وبقاء عدد من بطاريات صواريخ الباتريوت الأميركية المضادة للطيران على أراضيه، تحضيرا لتسليح قوى المعارضة السورية. قناة المرور الأردنية للأسلحة قد تشكل بديلا عن التسهيلات التركية ان واجهت تركيا عدم الاستقرار.
نشير هنا الى ان استخدام الأردن معبرا ليس مضمون النتائج، سيما وان النظام الملكي يترنح تحت وطأة الاحتجاجات الداخلية المعارضة لسياسته، على الرغم من انها لم تبلغ المستوى العالي لنظيرتها في تركيا. ان سير الاحتجاجات الهادفة لتقويض السلطة الملكية في الأردن او الإطاحة بحكومتها تعد باقفال هذا الممر امام الولايات المتحدة.
الأعداد المرتفعة للاجئين السوريين في الأردن يفاقم أزماته أيضاً، إذ بلغ تعدادهم نحو 8% من مجموع السكان. يستضيف الأردن ما يقرب من 560،000 لاجيء سوري، وفق التقديرات الرسمية، مما يضاعف استنزاف الموارد الشحيحة أصلا، خاصة قطاعي المياه والكهرباء. تكاثرت الاحتجاجات والصدامات بين هؤلاء اللاجئين وقوى الامن الأردنية في الآونة الأخيرة والتي أدت إلى مقتل احد عناصر الشرطة الأردنية. كما ان البعض ممن استطاع التوجه نحو المدن المختلفة بحثا عن فرص عمل أضحى منافسا لسوق العمل والإسكان، ووجهت اتهامات للبعض بارتكاب أعمال جنائية أو أنهم أضحوا يشكلون خطرا على الأمن والسلم الداخليين اللذين يتم التعرض لهما باستمرار.
مجموع الأسلحة الأميركية المقدمة للمسلحين السوريين، في المحصلة العامة، هي أدنى من المستويات المطلوبة والمرغوبة من قوى المعارضة، والتي قد لا تستطيع أحداث تغيير ميداني استراتيجي لصالحها مما يعد باستمرار حرب الاستنزاف الدائرة ومصرع أعداد أخرى من المسلحين. كما ان طرق الإمداد والممرات الحالية لإيصال الأسلحة تواجه مستقبلا غير مضمون، وقد يجري إغلاقها في حال انتشرت الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط.

المصدر: مركز الدراسات الأميركية والعربية – المرصد الفكري / البحثي