ضحايا بالمجّان ليلة انتخاب الرئيس
نار من نوع آخر، وقع السوريون فيها ليلة الانتخابات الرئاسية. صواريخ المسلحين لم تخرق وحدها أمان المدنيين، إذ أضيف اليها حتى ساعات الفجر الأولى رصاص المبتهجين والمحتفلين بالعملية الانتخابية، ما أوقع ضحايا ومصابين.
لم يخالف بعض الشارع «الموالي» التوقعات في شأن المظاهر المغالية في التعاطي مع العملية الانتخابية. مضى اليوم الانتخابي، أمس، بسقوط عدد من الضحايا جراء إطلاق الرصاص العشوائي. مصادر أهلية أفادت أن خمسة أشخاص على الأقل قتلوا في سوريا، إضافة إلى عدد من الجرحى سقطوا بنيران الاحتفالات السيّارة التي جابت شوارع مدن البلاد.
وكأن السوريين ينقصهم موت إضافي في ظل الموت الذي تلوّح به صواريخ المعارضة في كل المناسبات. وفيما الجيش يواصل عملياته على الجبهات المشتعلة، ومع استمرار الاستنفار في اليوم الانتخابي واليومين التاليين، تعاملت القوى الأمنية مع المظاهر الاحتفالية بتجاهل في معظم المناطق، في حين بدا موقف العسكريين أكثر صرامة في التعاطي مع مطلقي النار العشوائي في مدينة حمص، مثلاً، الخارجة من حرب طويلة.
لم يُبدِ السوريون، أوّل الأمر، استهجاناً للمواكب السيارة التي عبرت شوارع العاصمة وحمص والساحل السوري. سيارات تحمل شبّاناً وفتيات يرفعون الأعلام السورية وصور الرئيس بشار الأسد. غير أن تطوّر الأمر إلى حدّ إطلاق النار طوال الليل أثار سخط معظم السوريين.
يتساءل معن، موظف حكومي في اللاذقية، عن العلاقة بين الفرح وإطلاق الرصاص العشوائي الذي أوقع إصابات بين المدنيين. ويشير الشاب إلى أن الجيش يحارب في المناطق المشتعلة، في حين بعض الذين يعتبرون أنفسهم أنصار جيش البلاد يحاربونه في المناطق الآمنة.
الحكومة السورية بدت مغيّبة في اللاذقية أمام الممارسات المخالفة للقانون. زياد، الطالب الجامعي، تساءل: «أين قائد شرطة محافظة اللاذقية؟ وماذا عن المحافظ والقيّمين على تطبيق القانون في المدينة؟». يذكر الشاب أن «الخوف رافق أهالي المدينة من مطلقي الرصاص الموالين أكثر من القلق الذي انتابهم مع بداية الأحداث الأمنية التي شهدتها المدينة منذ آذار 2011».
تزامن الانتخابات مع امتحانات الشهادتين الثانوية والإعدادية، إضافة إلى الامتحانات الجامعية، زاد من الأمر سوءاً. يصف سعد، الطالب في جامعة البعث، المشهد القاتم بمحاولات «مزايدات فردية»، تهدف إلى تصوير السوريين كمحترفي قتل، بعد اعتيادهم الرصاص وصور الدماء. ويرى أن من يقوم بمثل هذه الممارسات ليس إلا جاهلاً لا عمل له سوى التشويش على الطلاب والعاملين الذين ذهبوا للاقتراع نهاراً، بهدف ممارسة حقهم الانتخابي، باعتبار الليل فترة استراحة يستحقونها.
الحكومة السورية التي بدت بعيدة عن ضبط الشارع في المدن الآمنة، حضرت بقوة في حمص، إذ تعرّض عدد من مطلقي الرصاص العشوائي لملاحقة دوريات القوى المشتركة، المكونة من عناصر الجيش وباقي القوات المسلحة.
منذر، مدرّس دمشقي، طالب الحكومة بإنزال أشد العقوبات بمرتكبي هذه الجرائم، بغية عدم احتسابها جرائم قتل «غير متعمّد»، لأن مرتكبها لم يقصد قتل فرد، بل قتل القانون وطعن أفراد الجيش من الخلف، باعتبارهم مشغولين بأداء واجبهم القتالي على الجبهات الساخنة. يذكر مازن، وهو جندي مقاتل في غوطة دمشق، أن ما يثير سخرية الجنود «أن شغل الجيش الشاغل خلال فترة الانتخابات أصبح التعامل مع مصادر النيران المختلفة، التي صار من الصعب التعرف إليها». مازن تبيّن بنفسه، حسب قوله، مصدر رصاصة أصابت رفيقه في موقعهما العسكري، مؤكّداً أن الرصاصة اخترقت كتف زميله بعدما انطلقت من قرية مجاورة «أمضى أبناؤها ليلتهم يحتفلون بالانتخابات قبل صدور نتائجها».
وبعد ( تم الإعلان الرئاسي على الفضائيات الوطنية قبل ذلك )«الليلة النارية»، أكّد الرئيس بشار الأسد أنّ «التعبير عن الفرح والحماسة انطلاقاً من الشعور الوطني لا يبرر إطلاق النار في الهواء، الذي يعرض حياة المواطنين للخطر».
وقال الأسد، في تصريح نشر على صفحة رئاسة الجمهورية على موقع «فيسبوك»، إنّ «جنودنا البواسل وهم على خطوط النار يدافعون عن الوطن ويحاربون الإرهاب أولى بكل رصاصة تطلق في الهواء تعبيراً عن الابتهاج بأي مناسبة أو حدث». ودعا المواطنين إلى «التعبير عن المشاعر الوطنية بما يعكس حضارتنا وثقافتنا وأخلاقنا العالية كسوريين».
المصدر: الأخبار