هل نحن على موعد مع فيلم كاوبوي معاصر؟
تعدّ أزمة الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة من أكثر المواضيع الإشكالية والجدلية في أمريكا، حيث تشكّل الحدود هذه، البوابة للمهاجرين من أمريكا الوسطى بشكل أساسي للدخول إلى أمريكا والمطالبة باللجوء أو العيش لسنوات وعقود كمهاجرين غير شرعيين، للعمل بأجور زهيدة للغاية لقاء القيام بأعمال في ظروف غير إنسانية وتحت سيطرة أرباب عمل يستغلون حاجتهم للعمل ويستخدمون صفتهم غير الشرعية لاستغلالهم.
داخلياً، يستخدم الحزبان المتحكمان الموضوع كورقة انتخابية، بشكل أساسي الحزب الجمهوري، حيث يعطي الجمهوريون وعوداً، في حال الوصول إلى البيت الأبيض والكونغرس ومناصب أخرى، بالحد من الهجرة غير الشرعية وتوفير السيطرة الصارمة على الحدود والحركة عبرها.
تسلّط هذه المادة الضوء على الأحداث الجارية في ولاية تكساس والتي لديها الحدود البرية الأطول مع المكسيك، والتي تمتد 2018 كم، ما يشكّل أكثر من نصف طول الحدود البرية الإجمالية والتي تمتد 3145 كم.
شهدت الفترة الماضية تصعيداً حول موضوع زيادة عدد المهاجرين الذين يعبرون إلى الولايات المتحدة من الحدود الجنوبية وبالأخص في ولاية تكساس، والتي يسيطر فيها الجمهوريون تاريخياً، وحاكمها الحالي «غريغوري أبوت» محسوب على الجناح اليميني الذي كان من أكبر الداعمين للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ويأتي هذا الوضع في سياق تصعيد أشخاص مثل «أبوت» وبعض الجمهوريين في الكونغرس ولفت الانتباه إلى الأعداد القياسية للمهاجرين الذين يعبرون إلى الولايات المتحدة، حيث قاموا بإلقاء اللوم على إدارة بايدن فيما وصفوه بسياسة الحدود المفتوحة.
وذلك في محاولة من «أبوت» لمواجهة هذه السياسات «المتساهلة» تجاه المهاجرين، الأمر الذي يثير حفيظة الجمهوريين بشكل عام وحاضنتهم في ولاية تكساس بشكل خاص، حيث تشكل المحطة الأولى للمهاجرين الذين ينجحون في العبور إلى الولايات المتحدة، ويبقى عدد كبير منهم في الولاية، قام «أبوت» باعتقال مهاجرين على أساس قانون التعدي على ممتلكات الآخرين عند عبورهم إلى الأراضي الأمريكية، كما أرسل عدداً من الباصات المليئة بالمهاجرين إلى ولايات حكامها ديمقراطيون.
كما قام «أبوت» بتوجيه الحرس الوطني الموجود في تكساس للتوجه إلى أكبر نقطة عبور للحدود لمنع وصول الوكالات الفيدرالية المسؤولة عن القضايا المتعلقة بالحدود وإنفاذ القوانين هناك. وأخذت القصة حيزاً من التغطية الإعلامية عندما قضى عدد من المهاجرين غرقاً على الحدود، ومنع الحرس الوطني في تكساس الجهات الفيدرالية المسؤولة من الوصول إلى منطقة الحادثة، وعلى خلفية هذه الأحداث وجهت إدارة بايدن خطاباً رسمياً لولاية تكساس للتوقف والكف عن منع الوكالات الفيدرالية المعنية من الوصول إلى الحدود على أساس عدم دستورية ذلك.
وتم رفع الموضوع أمام المحكمة الدستورية العليا، والتي حكمت في 22 من الجاري لصالح إدارة بايدن وأن السياج الذي تم وضعه لمنع وصول المسؤولين الفيدراليين غير قانوني ويجب إزالته، إلا أن «أبوت» أعلن أنه لن يمتثل للحكم وأعلن أن ولاية تكساس تتعرض حالياً لغزو وتذرع بالحق الدستوري للولاية في الدفاع عن نفسها وحمايتها، ورفض السماح لمسؤولي الوكالات الفيدرالية المعنية بالوصول إلى الحدود.
خلال الأيام الماضية، أعلنت 25 ولاية أخرى من الولايات المحسوبة على الجمهوريين دعمها لولاية تكساس واستعدادها لإرسال الدعم ليتمكن الحرس الوطني في تكساس من الاستمرار فيما سمته عدد من الجهات الإعلامية «مواجهة» بين إدارة بايدن وحكومة تكساس. كما بدأت تظهر في الإعلام بعض العناوين التي تضمنت كلمات مثل «حرب أهلية» و«انفصال».
ما يمكن قوله حول ما يحصل في تكساس هو أنها ليست حادثة فردية، وإنما هي تجلٍ إضافي وأكثر وضوحاً للأزمة المتصاعدة في الولايات المتحدة والتي من المتوقع أن تستمر بالتوسع والظهور بأشكال أوضح ضمن الجانب الداخلي للأزمة التي تواجه الغرب بشكل عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص ضمن التغييرات الدولية الجارية.
الجانب الآخر من الأزمة والذي لا يجري تسليط ضوء إعلامي كبير عليه، هو أنّ قرارات إدارة بايدن الطاقية خلال الأسابيع الأخيرة قد حملت أضراراً كبرى على تكساس على نحو خاص، والولايات المنتجة للنفط والغاز بشكل عامٍ؛ فتكساس من بين أهم الولايات المنتجة والمصدرة للغاز المسال الذي عاد بأرباح كبرى عليها وعلى الولايات المتحدة خلال السنتين الأخيرتين نتيجة فتح السوق الأوروبية أمام تصديره بعد الحرب الأوكرانية وتفجير الأمريكيين لنورد ستريم وعمليات البلطجة التي تمت ممارستها أمريكياً على أوروبا التي اشترت من الولايات المتحدة الغاز المسال بستة أضعاف ثمنه... رغم ذلك، فقد حدّ بايدن من تصدير الغاز المسال إلى أوروبا مؤخراً، بذريعة «الموجبات البيئية»، الأمر الذي يمكن فهمه في إطار إطباق الخناق على أوروبا وتكبيلها من كل الجهات بغرض تدفيعها أثمان الأزمة الأمريكية، وخاصة عبر تفكيكها وعبر دفع رؤوس الأموال الأساسية فيها للهجرة باتجاه الولايات المتحدة، إضافة إلى تحضيرها لمحرقة كبرى على غرار الحرب العالمية الثانية، يبدو أنّ الولايات المتحدة باتت تراها أمراً لا مفر منه للحفاظ على هيمنتها...
يبقى السؤال الذي ستجيب عليه الأشهر والسنوات القليلة القادمة قائماً: من سيسبق إلى الانهيار والفوضى الداخلية؟ الولايات المتحدة أم أوروبا؟