لقاء ليبيا و«إسرائيل»: التطبيع عصيّ على الكيان!
في خطوةٍ غير متوقعة وتعدّ الأولى من نوعها، التقى وزير خارجية الكيان الصهيوني إيلي كوهين مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش في روما قبل حوالي أسبوع، ووفق ما تداولت وكالات الأنباء المختلفة الحدث، فقد تمّ التركيز خلال اللقاء على تعزيز التعاون الاقتصاديّ والأمنيّ بين البلدين، مع الإشارة إلى مواجهة التحديّات المشتركة، وضرورة تعزيز الحوار والتفاهم المشترك.
ومنذ لحظة الكشف عن اللقاء من قبل الجانب «الإسرائيليّ»، بدأت تداعيات الحدث بالتفاعل على المستوى الداخليّ في كلٍّ من ليبيا و«إسرائيل». في اليوم التالي للقاء -الذي قيل إنّه غير رسميّ- خرجت تظاهرات واحتجاجات في عدّة مدن ليبية، وبنتيجتها أقال رئيس الوزراء الليبيّ عبد الحميد الدبيبة، وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش في محاولة منه للحدّ من الغضب المتزايد، كما أدرج جهاز الأمن الداخليّ اسم المنقوش في قائمة الممنوعين من السفر لحين امتثالها للتحقيقات، غير أن مجلس النوّاب الليبيّ دعا كلّ مؤسسات الدولة إلى عدم تنفيذ تعليمات حكومة «الدبيبة» وإجراء التحقيق فقط.
ورغم إطلاق الوزيرة الليبيّة تصريحات قالت فيها إنّ اللقاء «غير مخطّط له» و«حدث بشكل عرضيّ»، صدرت تصريحات أخرى من جانب الكيان قيل فيها إنّ اللقاء استمر ساعتين، وتم الاتفاق عليه مسبقاً «على أعلى المستويات في ليبيا». ولم تقتصر تداعيات الحدث على الدّاخل الليبيّ فقط، بل طالت الدّاخل «الإسرائيلي» لتهزّ العلاقات بين جهاز الموساد والخارجية «الإسرائيلية»، حيث نشب خلاف شديد بين المؤسستين بعد تسريب خبر «اللقاء السرّي» على حدّ قول قناة «كان» التابعة لهيئة البث الرسمية: «إنّ الطاقم السرّي للموساد الذي عمل لسنوات في الملف الليبيّ تضرّر بشكل كبير، بعد الكشف عن اللقاء بين كوهين والمنقوش». كما أثار الإعلان عن اللقاء حفيظة المعارضة «الإسرائيليّة»؛ في حديث له، وصف يائير لابيد المعارض لحكومة نتنياهو الإعلان بأنه «غير احترافيّ»، كما طالبت رئيسة حزب العمل «الإسرائيلي» المعارض ميراف ميخائيل كوهين بالاستقالة.
وفي تفاعلها مع ما حدث، احتجت الولايات المتحدة الأمريكية احتجاجاً شديد اللهجة على سلوك تل أبيب، فيما تضمّن تقرير -نشره موقع أكسيوس الأمريكي بالتزامن مع موقع «والا» العبري- معلومات عن دور واشنطن في عقد هذا اللقاء، وعن مساعيها لإقناع الطرفين بتطبيع علاقاتهما، وقلقها من تأثيرات ما حدث على الدول الأخرى بسياق عمليات التطبيع.
وفق ذلك يتضح أن أمريكا ذاتها هي من تقف وراء هذه العملية، وأنها هي عرّابة التطبيع وتعمل على ذلك منذ سنوات طويلة، ويبدو أن العملية تسارعت مع بدء ما يسمى بـ «اتفاقات ابراهام» قبل أكثر من 3 سنوات بقليل، مستندة إلى قناعة بأن هناك فرصة جديدة لحدوث نوع من التطبيع. لكن كما يظهر، فإن هذه الفرصة ضعفت الآن، أو بدأت بالتراجع، ولا أدلّ على ذلك ممّا ورد في صحيفة «ماكور ريشون» التابعة للكيان: «كان من المفترض أن يكون هذا اللقاء اختراقاً دبلوماسياً مهمّاً، لكنّه تحوّل إلى فشل ذريع».
الملفت في الأمر، هو أنه لطالما اعتمدت «إسرائيل» سياسة الكتمان عند عقد مسؤوليها لقاءات مع قادة دول عربية لا تربطها معها أي علاقات دبلوماسية رسميّة. وكانت في كثير من الأحيان تكشف عن اللقاءات بعد التوصل إلى مسودة اتفاقات تطبيع مع تلك الدول. أمّا هذه المرة فقد تغيّر الحال، حيث كشفت وزارة الخارجية «الإسرائيلية» عن اللقاء لأسباب غير واضحة تماماً حتى اللحظة.
ولدى البحث عن إجابات حول هذه المسألة، لا يجد الباحث إجابات مقنعة، فهنالك من يقول بإن الكيان كشف اللقاء بعد أن علم أن تفاصيله قد تسرّبت إلى صحفيين، بينما يجمع بعض المحللين على أن تسريب حكومة بنيامين نتنياهو خبر اللقاء يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية وتصدير الأزمات الداخلية التي تعصف بـ«إسرائيل» بظلّ تصاعد الاحتجاجات الرافضة لقانون «الإصلاح القضائي» وهذا وارد لكنّه غير كافٍ لفهم الأمر بصورة كافية كما نعتقد.
على أية حال، مع هذا الكشف عن اللقاء؛ تكون قد فقدت أمريكا عمليّاً شيئاً ممّا قامت به في ليبيا بإطار تحضيرها للتطبيع، أمّا الكيان فعلى الأرجح أنه كان يجد تعثراً في العملية وصعوبة في الاستمرار، لذلك حاول إحراج ليبيا بهذه الطريقة.
بالنتيجة، فإن ما يظهر بوضوح أنّ عملية التطبيع عصيّة وغير سالكة حتّى ببلد عربي منقسم مثل ليبيا. لذا فإن أهم ما في الأمر كلّه، هو أن ما جرى يمثل عملياً شكلاً من أشكال فشل الاتفاقات الإبراهيمية، الاتفاقات التي تلقّت ضربات كبرى ما بعد التغيرات الأخيرة في توازنات الإقليم، والتي ستتلقّى المزيد منها في قادمات الأيّام.