البربشة الفكرية للأحزاب السياسية
يقدر المؤرخون أن عام 1907 كان بداية تجربة التعددية الحزبية في مصر بظهور ثلاثة أحزاب هي الحزب الوطني، وحزب الأمة، وحزب الإصلاح الدستوري. لاحقا شطبت ثورة يوليو على التجربة إلي أن أعلن أنور السادات في مارس 1976 إنشاء ثلاثة منابر سياسية الأول لليمين والثاني لليسار والثالث للوسط وكان إعلانه بقرار علوي حتى أنه هو الذي حدد أسماء المنابر واختار زعماءها بالاسم. في عهد مبارك ظهر عدد من الأحزاب التي لم تقم بأي دور ملموس وبررت عجزها بظروف القمع والتضييق.
ومع انتفاضة يناير في 2011 فتح المد الشعبي الجارف المجال لتأسيس أكثر من أربعين حزبا جديدا غطت وجه الحياة السياسية حتى لم يعد أحد يعرف برامجها ولا قادتها ولا دورها، وكان إنجازها الرئيسي أنها أكدت أن فشل تلك الأحزاب الديكورية لا يرجع بالضرورة إلي القمع والملاحقة، وأن الفشل في بعض الأحيان موهبة تولد بها الأحزاب! ضمن أحزاب يناير ظهر الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي ضم عند تأسيسه زعماء الاقتصاد الحر الذي جاع الشعب بسببه طويلا ومنهم حازم الببلاوي وعمرو حمزاوي ومرفت التلاوي صديقة سوزان مبارك الحميمة مع عدد من المتمولين من الخارج. وتزعم الحزب د. محمد أبو الغار معلنا أن أيديولوجية الحزب هي " الليبرالية الاجتماعية " وجوهرها العطف على الفقراء وتجميل النظام القائم ببعض اللمسات والأخذ بالتوجه السياسي الأمريكي. لهذا لم يكن مستغربا أن يقول أبو الغار في حوار له مع شبكة " فوكس نيوز" في أبريل الحالي :" أود من أمريكا أن تدعم الشعب المصري والجيش في محاربة الإرهاب.. فأمريكا دائما تحارب الإرهاب في كل مكان في العالم.. ومكافحة الإرهاب واحد من المبادئ الأمريكية الأساسية "! هكذا بقدرة قادرة يعتبر أبو الغار أن أمريكا التي دمرت العراق، وأهلكت أفغانستان، وجزأت السودان، وهدمت ليبيا، وتخرب سوريا، وتسعى لتحطيم الدولة المصرية، أمريكا هذه كانت " دائما تحارب الإرهاب"! وهذه البربشة الفكرية التي تعوق أبو الغار عن رؤية الحقائق الساطعة هي أيضا التي قادته وحزبه لموقفه من الانتخابات الرئاسية حين استضافه يسري فودة للتعرف إلي موقفه فقال إنه وحزبه " يقفان على الحياد من المرشحين صباحي والسيسي"! وكنت مستعدا لتفهم وجهة نظر أبو الغار لو أنه قال إنه ضد المرشحين الاثنين ، ولا يرى أيا منهما صالحا للرئاسة. وكنت مستعدا لتفهم موقفه لو أنه قال إن حزبه متردد ومرتبك لأن الظرف السياسي الراهن معقد، أو لو أنه قال أي شيء آخر من أي نوع. أما أن يعلن " زعيم حزب سياسي" أن حزبه على الحياد من قضية حاسمة فأمر لم يسمع به أحد ! فيم كان إنشاء الحزب إذن؟ هل يحتاج " الحياد " إلي حزب سياسي؟! أليس الحزب منظمة فاعلة تتولى حشد الناس في اتجاه أو آخر؟!
فيما مضى كان رب البيت يعود من عمله ويدخل على أولاده ببطيخة ليفرحهم. الآن أصبح من الممكن أن تفرح الأولاد بحزب صغير للزينة المنزلية تضعه في الصالون ليتفرج عليه الضيوف أثناء شرب الشاي، وتنفض الغبار عنه من حين لآخر ليظل نظيفا محايدا.