إرث ميركل في تسليح العالم!
ديما النجار ديما النجار

إرث ميركل في تسليح العالم!

غادرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU) منصبها الأربعاء الماضي، ليصبح أولاف شولتز (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD) مستشار ألمانيا الجديد. امتلأت الصحف الألمانية بعد انتخابات البرلمان (البوندستاغ)، ومذ ظهرت مؤشرات بأنّ أولاف شولتز سيكون المستشار الجديد، بمقالات جَرد حساب متنوعة لستة عشر عاماً من تولي أنجيلا ميركل منصب المستشارة الألمانية. فتطرق الإعلام السائد بطريقته لمواضيع عديدة منها الجانب العسكري، فمثلاً امتدحت صحيفة Frankfurter Allgemein المستشارة لأنها في إحدى زياراتها للجنود الألمان في أفغانستان قالت لهم صراحة إنهم حقاً في حالة حرب، وبذلك كسرت التابو الذي تدّعيه ألمانيا حول ما يسمى «الكلمة-ك» (K-Wort) نسبة لكلمة Krieg وتعني الحرب. والقصد بأن ألمانيا لا تشارك في حرب وتنأى بنفسها عنها لدرجة أن «الكلمة-ك» ذاتها هي تابو يتجنبه السياسيون! كما لو أنّ بالإمكان إخفاء الحروب وأدواتها خلف المصطلحات!

نقدّم في هذا المادة جرداً للحساب قام به الصحفي ياكوب راينمان اليساري المعادي للرأسمالية والحروب في دراسة نشرها في موقع NachDenkSeite بعنوان «تسليح العالم – إرث 16 عام من ميركل». اعتمدت الدراسة على بيانات جميع التقارير العلنية حول تصدير السلاح في عهد ميركل والتي بينت بحسب راينمان أن ميركل «وافقت خلال هذه الستة عشرة عاماً على صفقات سلاح بمقدار 92 مليار يورو، صدرت إلى 165 دولة في العالم – من أصل 193 معترف بها – ويشكل سكان هذه الدول 98% من التعداد السكاني للعالم»!

وبالنظر للقانون الدولي والتقارير الأوروبية حول محددات بيع السلاح، يتابع راينمان أن "نصف هذه الصفقات ذهب إلى ما يسمى دول العالم الثالث، والتي يعتبر بيع السلاح فيها «تابو»، كما بيع السلاح الألماني لدول تعتبر تحت حظر السلاح. نشرت ألمانيا معدات عسكرية ثقيلة كالدبابات، الغوّاصات، والطائرات المقاتلة في بلدان جميع القارات. إن تسليح العالم هو الإرث الكارثي لسنوات ميركل.
اعتمد راينمان في بحثه فقط على التقارير المعلنة عن تصدير ألمانيا للسلاح، إذ تفترض معاهدة الاتحاد الأوروبي أن كل دول الاتحاد ملزمة في حزيران من كل عام بتقديم تقرير عن صادراتها من المعدات والتكنولوجيا العسكرية.
يقول راينمان «إضافة إلى الـ 165 من أصل 193 دولة المعترف بها التي صدر إليها السلاح، أضيف بشكل منفصل إلى التقارير معلومات عن تصدير السلاح إلى 17 منطقة ذات حكم ذاتي جزئي أو وضع دولي غير واضح أو مختلف عليه، منها كوسوفو، تايوان، الصحراء الغربية، غرينلاند، هونغ كونغ وجزر كايمان وشمال قبرص التي تعترف بها تركيا فقط».

52522 


ميركل و«العالم الثالث»

يقول راينمان «تجاوزت نسبة مبيعات ألمانيا للأسلحة في دول ما يسمى العالم الثالث في بعض السنوات 60%، وبالمتوسط بلغت نسبتها خلال السنوات الستة عشر من حكم ميركل 49%، أي أنّ قطعةً من كل قطعتي سلاح تنتج في ألمانيا تباع لتلك البلدان، الأمر الذي يعتبر تابو إلا في الحالات الخاصة حسب ما يتكرر بالتفصيل في تقارير وفي القانون الألماني وقوانين الاتحاد الأوروبي. بشكل خاص يجدر التركيز على مخالفة روح القانون بالقيام بتسليح الدول الثَّماني التي تشارك في الحرب على اليمن عبر التحالف السعودي الإماراتي (...) كما تصدر ألمانيا أسلحةً إلى الولايات المتحدة التي تشن حروباً في نصف بلدان الكرة الأرضية».

يوضح راينمان، أنه «خلافاً للأسلحة الخفيفة والمصفّحات، فإن مبيعات الأسلحة الثقيلة من سفن حربية، وطائرات مقاتلة ودبابات يجب أن يتم الإخطار عنها للأمم المتحدة، ولذا فقد أُفرِدَ لها في التقرير الحكومي الألماني جزءٌ خاص. وقد بيع في زمن ميركل أكثر من 3000 قطعة من هذا النوع، ثلثاها من الدبابات».

وعن أكبر الشركات المستفيدة يقول: «المستفيد الأكبر مُصنِّع ليوبارد Leopard من الدبابات المقاتلة، التي باعت في زمن ميركل 1700 دبابة. أغلبها ذهب إلى اليونان، تليها تركيا التي هاجمت بشكل مخالف للشرعية الدولية بهذه الدبابات مرات عديدة المنطقة الكردية في شمال شرق سورية وارتكبت جرائم ضد الإنسانية. ومن المعروف أن برلين صدرت أيضاً صواريخ مضادة للدبابات من ماركةMilan للبشمركة الكردية في بلد الجوار، بحيث كانت الدبابات الألمانية في روجافا تُصَدّ بمضادات صواريخ ألمانية في نهاية الأمر. نكتة مرعبة في التاريخ لا يضحك عليها في الواقع إلا الجشعون في شركات تصنيع الأسلحة الألمانية».

ميركل وأزمة اليونان الاقتصادية

يوضح راينمان كيف يتشابك الفساد مع السياسات النيوليبرالية في بعض الدول مع مصالح الدول المصنعة للسلاح، يقول «لدى اليونان ثالث أكبر أسطول دبابات في دول الناتو بعد الولايات المتحدة وتركيا. تأتي غالبية الدبابات التي يزيد عددها عن 1300 في القوات اليونانية من الإنتاج الألماني وقد اقترضت البلاد المليارات من أجل ذلك. بينما في سياق ما سمي «أزمة اليونان»، أجبرت الترويكا التي هيمنت عليها ألمانيا اليونان على تدمير أنظمتها الصحية والاجتماعية لتصبح كما في البلدان النامية تقريبًا، وأجبرت على بيع منشآت من بنيتها التحتية العامة - بما في ذلك الجزر - للمستثمرين الأجانب، ولا يزال يتعين عليها دفع فواتير الدبابات إلى شركة Hellas. كما أن دبابات Leopard تنتج بواسطة الشركة الألمانية الفاسدة Krauss-Maffei Wegmann. ففي عام 2014، تبين أن هذه الشركة دفعت رشاوى بقيمة 26 مليون يورو للبيروقراطيين في أثينا مقابل مبيعات اليونان وحدها - مما يجعل ميركل، ولو لم تعلم بالأمر، متعاونة في قضية الفساد هذه».

ميركل وأمن «إسرائيل»

في عام 2008، صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الكنيست أن «أمن (إسرائيل) يعتبر مصلحة وطنية بالنسبة لألمانيا». وتعتبر ألمانيا ثاني موّرد للأسلحة للكيان الصهيوني بعد الولايات المتحدة بفارق كبير. وتوجهت «قاسيون» بسؤال للسيد راينمان عن صفقات ألمانيا المعلنة مع «إسرائيل»، فقام بتزويد «قاسيون» بالرسم البياني وقال: «مجموع ما وافقت أنجيلا ميركل على توريده إلى (إسرائيل) بلغ 2.6 مليار، ففي زمن ميركل تم توريد أسلحة سنوياً لـ(إسرائيل) بما تقارب قيمته 100 مليون يورو سنوياً، مع أربع قيم متطرّفة وصلت إلى 700 مليون يورو ارتبطت غالباً بمبيعات الغوّاصات الحربية».

1515

 

آخر تعديل على الثلاثاء, 14 كانون1/ديسمبر 2021 19:24