عملية التسوية..واشنطن تُجهض محاولات تل أبيب تحميل عباس مسؤولية الفشل!
منذ حصول السلطة الفلسطينية على عضوية دولة مراقب في الأمم المتحدة، فرضت إسرائيل عقوبات اقتصادية عليها. وتقول إن مجموعة العقوبات الجديدة تأتي رداً على توجه الأخيرة إلى الأمم المتحدة، وردعاً لها عن تنفيذ خطوات أخرى مماثلة.
أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس تعليماته إلى الوزارات الحكومية بالامتناع عن إجراء لقاءات مع الفلسطينيين، معلناً وقف التعاون الاقتصادي والمدني مع «رام الله». وشمل قرار نتنياهو، وفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، النشاطات المشتركة بين الوزارات الإسرائيلية والفلسطينية، فيما لم يُذكر أي وقف للتنسيق الأمني.
ومن أبرز هذه الإجراءات سحب بطاقات الشخصيات المهمة (VIP) من قيادات السلطة، ومصادرة أموال الضرائب وتحويلها إلى شركات النفط والكهرباء لسداد الديون المتراكمة على الجانب الفلسطيني، وتأخير مشاريع اقتصادية في مختلف المناطق الفلسطينية.
ومع أن لقاءات وزيرة القضاء الإسرائيلية تسيبي ليفني مع رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض صائب عريقات، غير مشمولة في هذه التعليمات، وفق «يديعوت»، فإنها بصورة أخرى تشكل ورقة ضغط تمارسها إسرائيل في مقابل تلويح السلطة بالتوجه إلى الأمم المتحدة، وتعكس أيضاً حجم الصعوبات التي تعترض المفاوضات في الغرف المغلقة.
بالتوازي مع ذلك، تحاول تل أبيب توجيه رسالة إلى رئيس السلطة محمود عباس، مفادها أنها ستبادر إلى خطوات تصاعدية في حال مواصلة الرجل طريقه نحو الأمم المتحدة، فضلاً عن محاولة تقويض مفاعيل الورقة التي لجأ إليها. ورغم أن عباس يملك نظرياً أوراقاً كثيرة، فإنه من وجهة النظر الإسرائيلية لن يجرؤ على اللجوء إليها أو حتى بعضها، وضمن ذلك إلغاء التنسيق الأمني الذي استثناه قرار نتنياهو من التعليمات الموجهة إلى الوزارات المعنية.
هنا، أشار موقع «واللاه» العبري إلى تشديد الإجراءات الأمنية في الضفة المحتلة، ولا سيما على الحواجز مع خطوات عقابية يمكن اتخاذها، بما فيها إجراءات ضد بعض التجار الذين يملكون بطاقات PMC ولهم دور مهم في اقتصاد الضفة.
ولفت «واللاه» إلى أن تنفيذ هذه الإجراءات سيجري بالتناغم مع مصير الأوضاع السياسية، مضيفاً على لسان مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى أن قيادة جيش الاحتلال تُعدّ دفعة ثالثة من العقوبات «ستكون أشد في حال استمرار الخلاف السياسي، لكنها في كل الظروف لن تشمل قطع علاقات التنسيق الأمني الذي يصبّ في مصلحة الطرفين».
جملة الردود الفلسطينية اقتصرت على تأكيد سير السلطة في الاتجاه الذي اختارته ومواجهة تبعات العقوبات الإسرائيلية. وقال رئيس الحكومة الفلسطينية في رام الله، رامي الحمدالله، إنه بدأ اجتماعات طارئة مع مختلف المؤسسات والوزارات لدراسة تداعيات قرار نتنياهو. وأضاف أن «القرار الإسرائيلي ليس جديداً من الناحية العملية، فالعقوبات مستمرة كل يوم، وعلى رأسها الاستيطان وتهويد القدس وهدم المنازل»، مطالباً وزراء الخارجية العرب الذين اجتمع معهم عباس أمس بتوفير شبكة حماية للسلطة في وجه العقوبات.
من الناحية العملية، لا تُجرى اتصالات مباشرة بين الوزراء الفلسطينيين والإسرائيليين إلا بين وزيري المالية لترتيب قضايا ضرائب المقاصة التي تجبيها إسرائيل لمصلحة السلطة الفلسطينية.
وقال مسؤول حكومي فلسطيني إن «الواضح أن القرار الإسرائيلي هدفه الأساسي رواتب الموظفين، وخاصة أن المغذي الرئيسي لفاتورة الراتب يأتي من الضرائب التي تجبيها إسرائيل لمصلحة السلطة».
وتُقدر الفاتورة الشهرية للسلطة الفلسطينية بنحو 200 مليون دولار، تورد إسرائيل منها لقاء ضرائب المقاصة 120 مليوناً وتجبي السلطة نحو 30 مليوناً، في حين أن الباقي يأتي من الدول المانحة، علماً أن فاتورة رواتب الموظفين العاملين في القطاع الحكومي الشهرية تبلغ نحو 140 مليون دولار. ويسود تخوف في أوساط حكومية فلسطينية من أن تعمل إسرائيل على التصرف بالأموال من دون أي تنسيق مع الفلسطينيين، وخاصة أن هناك طرقاً تمكنها من ذلك.
هذه الخطوات الإسرائيلية جاءت بعد ساعات من مواقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الثلاثاء، التي لمّح فيها إلى مسؤولية حكومة نتنياهو عن الأزمة التي تواجهها المحادثات الفلسطينية ــ الإسرائيلية.
وخلقت أقوال كيري أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي أصداءً واسعة في الساحة الإسرائيلية، وعكست قدراً كبيراً من الخيبة وتعدداً في قراءة خلفيات حديث الرجل وتوقيته وتداعياته. وكانت إسرائيل قد رفضت إطلاق سراح 30 أسيراً فلسطينياً تعتقلهم قبل عام 1993، وذلك عقب اتفاق بين الجانبين برعاية أميركية أطلقت إسرائيل بموجبه 78 أسيراً، ما أدى في النهاية إلى توقف المفاوضات رغم لقاء جمع ليفني وعريقات في القدس المحتلة لإنقاذ الوضع. بالنسبة إلى إسرائيل، تفسير مواقف كيري ليس أمراً نظرياً، فقد انقسمت الآراء بين من رآها تمهيداً لانسحاب أميركي من العملية السياسية، وأخرى رأت أنها جزء من منظومة الضغوط التي تستهدف دفع الأطراف إلى الاتفاق.
ورغم محاولة وزارة الخارجية الأميركية تخفيف وطأة أقوال كيري بقول المتحدثة باسمها جينيفر ساكي: «كان واضحاً طوال المفاوضات أن الطرفين اتخذا خطوات غير مجدية وكيري لم يعمل بأسلوب الاتهام»، فإن مفاعيل الأقوال بقيت حاضرة. في المقابل، بدت حكومة نتنياهو في حالة إرباك وذهول، كما كشف «واللاه» الذي أكد أن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية ذُهل، «فجملة واحدة من كيري قوَّضت حملة دعائية استنزفت جهوداً كبيرة من أجل تحميل محمود عباس مسؤولية تفجر المحادثات».
يذكر أن حكومة نتنياهو سعت إلى تشبيه ما حدث في الأسبوع الأخير بإخفاق مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 مع كل انعكاساتها وتداعياتها، وذلك في محاولة لوسم عباس بـ«العرفاتية».
نتيجة ذلك، بدت تصريحات وزير الخارجية في واشنطن ضربة موجعة للحملة الإسرائيلية على عباس ووصفه بأنه يرفض السلام، بل بلغت التقديرات في الساحة العبرية حد المقارنة بين مفاعيل تصريحات كيري والخيبة التي أصيب بها نتنياهو في أعقاب بدء الغرب محادثات مع إيران والتوصل معها إلى اتفاق مؤقت معها قبل شهور.
ضمن هذا السياق، يتناول الحديث إخفاقاً ثانياً لنتنياهو في سعيه إلى تحميل السلطة مسؤولية انهيار المفاوضات، وكان هدف ذلك تجنيب إسرائيل دفع أثمان قد تترجم إلى حملات مقاطعة وعزلة دولية. في محاولة للردّ على مواقف كيري، ذكر مصدر رسمي في مكتب نتنياهو أن كلام وزير الخارجية الأميركي أضر المفاوضات، «وسيؤدي إلى تصليب مواقف الفلسطينيين». وأضاف: «كيري يعلم أن الفلسطينيين هم الذين قالوا لا لاستمرار المحادثات المباشرة مع إسرائيل في تشرين الثاني، وهم الذين قالوا لا لاقتراح اتفاق إطار، وقالوا الكلمة نفسها ضد الاعتراف بإسرائيل دولةً يهودية». في ما يتعلق بالبناء الاستيطاني، أوضح المصدر أن إسرائيل لم تلتزم تجميد البناء، «لذلك، إن الادعاء الفلسطيني أن البناء في القدس خرق للتفاهمات يتعارض مع الحقائق، كذلك فإن طاقمي المفاوضات الأميركي والفلسطيني يدركان أن تل أبيب لم تلتزم ذلك».
وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينيت رد من جهته على تصريحات كيري بالقول: «البناء في القدس ليس انفجاراً «بووم»، بل هو الصهيونية»، مشدداً على أن إسرائيل «لن تعتذر مطلقاً عن البناء في القدس».
المصدر: الأخبار