أفغانستان وحقيقة ما يجري: الخبر اليقين من (بريطانيا العظمى)

أفغانستان وحقيقة ما يجري: الخبر اليقين من (بريطانيا العظمى)

لا تكمُن أهميّةُ ودلالات الحدث الأفغاني في معناه المباشر فقط، فالمسألة ليست مسألة صراع بين واشنطن وطالبان، أو خيار رئيس ما، أو خطأً في التقديرات، أو حدثاً عابراً، كما يظنّ من لا يزيدُ رصيدُه المعرفيّ عن آخرِ نشرة أخبارٍ استمعَ إليها، ولعلَّ أقربَ حلفاءِ واشنطن، وأكبرَهم (بريطانيا العظمى) خيرُ مَن يفسِّرُ معاني ودلالات الحدث الأفغاني.

وصف وزير الدفاع البريطاني (بن والاس) اتفاق الانسحاب بأنه «اتفاق عفن». وقال والاس إنّ قرار بايدن الانسحابَ من أفغانستان كان (خطأً) مكَّن طالبان من العودة إلى الحكم، وبعد الصخب الذي اتسمت به رئاسة ترامب، كرّر بايدن الوعد بأنّ (أمريكا عادت) وحسب موقع يورو نيوز (تساؤلات من هذا القبيل ومشاعر جياشة على هذا النحو، والتي وصلت إلى حد أنّ ولاس كان على شفا سفح الدموع في المقابلة...).

وحسب موقع (euro news) قال مارك سيدويل الذي كان أكبر موظَّف مدنيّ ومستشار الأمن القومي في حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي «لا بدّ أن نكون واضحين بشان هذا: هذه لحظة مذلّة للغرب».

وتساءل بعض المحاربين القدماء البريطانيين عن التضحيات التي قدموها. وتحدّث بعضهم عن شعورٍ بالخيانة. وقال البعض إنّ زملاءَهم القتلى ماتوا هباءً، جاك كامينجز، وهو جندي بريطاني سابق فقد ساقيه في أفغانستان، في 14 آب/أغسطس عام 2010، يتساءل: هل كانت (الحرب) تستحقّ مني ذلك؟ ربما لا. هل فقدت ساقيَ بلا مقابل؟ يبدو ذلك. هل مات رفاقي هباءً؟ ويجيب (نعم).

حسب وكالة رويترز للأنباء، قال مسؤولٌ بريطاني طلب عدم الكشف عن اسمه «هل عادت أميركا أم أدارت ظهرها؟» وأضاف قائلاً: «يبدو الأمر إلى حد بعيد كما لو أن الأمريكيين عادوا إلى بلادهم بطريقة ترامب إلى حد ما – في عجلة وفوضى وذلّ».

 

السويس 1956 – أفغانستان 2021

أمّا توم توجيندات رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني فذهب أبعدَ من كلّ ما سبق، إذْ قال: «سقوط كابول أكبر كوارث السياسة الخارجية منذ السويس». وأردف توجيندات «إن الكارثة كشفت عن طبيعة القوة الأمريكية وعجزنا عن أن يكون لنا موقف منفصل». والمستر (توجيندات) الذي يعرف أكثر من غيره، معنى معركة السويس ودلالاتها التاريخية، بالنسبة للإمبراطورية التي كانت (لا تغيب عنها الشمس) يعي تماماً ما يقول، إذْ كان عام 1956 عام الإعلان النهائي لخروج بريطانيا الفعلي من مركز الصدارة العالمية، بعد أن كانت قد احتلّتهُ على مدى قرون... لماذا؟

ببساطة لأن آليات ونموذج الاستعمار التقليدي كان قد استنفدَ نفسَه تماماً، رغم كل تَمَظهُرات القوة لديه على إثر الانتصار في الحربين العالميتين الأولى والثانية، تصريحات توم لم تأتِ عبثاً فهو يؤكد تراجع إمبراطوريةِ «مَن ليس معنا فهو ضدنا» أيضاً، وهذا يعني عملياً أنّ: النموذج الربويّ في الاقتصاد، والنموذج الميكيافيلي في السياسة، نموذج تعميم وشرعنة الفوضى كمنتج وحيد للتدخل، استنفد نفسه، ويعني أيضاً (وربما هذا الأهم بالنسبة لنا بالمعنى المباشر في بلدان الأطراف، ومنها سورية) سقوط منظومة التبعية: الاقتصاد التابع – حوامل التبعية من الشرائح الطبقية في النظام والمعارضة – العقل السياسي-الثقافي التابع.

 

آخر تعديل على الثلاثاء, 24 آب/أغسطس 2021 14:27