تسقُط الأجساد لا الفكرة
ريم الساجر ريم الساجر

تسقُط الأجساد لا الفكرة

قالها بن غوريون يوما "سيموت كبارهم وينسى اطفالهم" لكنه لم يعلم أن للذاكرة في فلسطين أقداما تسير في أزقتها وتسري في دماء شبابها "أولئك الأطفال"

جاء نصب الحواجز الحديدية عند باب العامود، والاستنفار العسكري غير المسبوق بالقدس القديمة، ومخطط بدء إجلاء وتهجير 7 عائلات من حي الشيخ جراح بداية شهر رمضان، ليشعل الميدان، ما عمّق أكثر أزمات إسرائيل الداخلية، خصوصا وأن اليمين الفاشي ممثلا بتحالف "الصهيونية الدينية" نظم مظاهرات قبالة باب العامود والشيخ جراح تدعو لحرق الفلسطينيين.

الشارع الفلسطيني يفرض معادلاته

أحيا أكثر من 90 ألف مصلٍّ فلسطيني السبت ليلة القدر في المسجد الأقصى، رغم الإجراءات الأمنية المشددة وغير المسبوقة التي اتخذتها القوات الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة ومنع العديد من المصلين من الوصول والإغلاق على سكان الضفة الغربية.

وأفادت مصادر العدوّ، باندلاع 40 حريقاً في مناطق غلاف قطاع غزة جنوب كيان الاحتلال، ناتجة عن بالونات حارقة أطلقت من القطاع على خلفية التصعيد الأخير في مدينة القدس المحتل كما تم شل حركة القطارات بين مدينة أشكلون ونتيفوت جنوب فلسطين المحتلة وإغلاق محطة القطارات في مدينة سديروت وذلك وفقا لموقع «إسرائيل 24»

​​​كما اقتحمت قوات الاحتلال باحات المسجد الأقصى صباح اليوم، واعتدت على المصلين الفلسطينيين بالرصاص المطاطي وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع حيث أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني -في بيان- إصابة أكثر من 305 فلسطينيين منذ الصباح خلال مواجهات مع قوات الاحتلال بالمسجد الأقصى ومحيط البلدة القديمة في القدس.

ليرابط المئات من الفلسطينيين في الأقصى منذ الفجر لمنع أي اقتحام صهيوني، بعدما أعلنت جماعات استيطانية أنها تحضر "لاقتحام كبير" اليوم بمناسبة ما يسمونه يوم "توحيد القدس"، في إشارة إلى الاحتلال الصهيوني للقدس الشرقية عام 1967 إلا أن إرادة المصلين التي أفشلت اقتحام نحو ألفي متطرف للمسجد الأقصى ولاحقا أجبرت شرطة الاحتلال الإسرائيلية على تغيير مسار "رقصة الأعلام" للمستوطنين وعدم مرورها من باب العامود، تعتبر نصرا حقيقيا.

وتأتي الأهداف الكامنة وراء المحاولات الحثيثة لطرد أهالي الشيخ جراح في الاستيلاء على ما تبقى من الحي ليوصلوا القدس الشرقية بالغربية وربط الشيخ جراح بمشروعين استيطانيين ضخمين في وادي الجوز.

كما يعد باب العامود الشريان الأساسي الموصل لأسواق البلدة القديمة، التي يعمل الاحتلال بشكل يومي على قتلها وإغلاق أبواب حوانيتها بتدمير التدفق الاجتماعي عبر باب العامود لقتل ما تبقى من الأسواق، والسيطرة على عدد أكبر من العقارات في البلدة القديمة.

الزلزال آت ولكن لمن؟؟!!!

ويتضح مما يجري أن جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومبعوثه للشرق الأوسط، قد أخطأ حين أعلن عن نهاية الصراع العربي الإسرائيلي في مقال له بصحيفة وول ستريت جورنال (The Wall Street Journal) قبل نحو شهر من الآن وأن "الزلزال السياسي" الذي أطلقته موجة التطبيع العربي الأخيرة مع إسرائيل لم ينته بعد، وأن العالم "يشهد آخر فصول ما يُعرف بالصراع العربي الإسرائيلي".

والحقيقة، أن مشروع إقامة دولة الكيان الصهيوني لم يكن يوما في خطر كما هو الحال الآن عندما اعتقد أصحابه أنهم على أعتاب النصر، لأن الزلزال الهادر الحقيقي ليس الزلزال الذي يشير إلى نهاية الصراع كما زعم كوشنر، ولا يعتمل في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، بل يهز أركان العدو في القدس والأراضي المحتلة عام 1948، حيث لا يوجد جدار أو حاجز تفتيش يحمي إسرائيل من عواقبه.

لا شك في أنّ نضالاً عاصفاً لا يزال أمام الفلسطينيين وأمام شعوب المنطقة بأسرها في مواجهة الكيان الصهيوني، وفي مواجهة المطبعين والمتعاملين معه من فوق الطاولة ومن تحتها. ولكن الأكيد أيضاً هو أنّ ما يجري في القدس الآن ليس حدثاً عابراً، وأن حالة الانقسام الظاهرة في الفصائل لم تكن يوماً معبراً حقيقياً عن حال الشعب الفلسطيني بقدر ما هي تعرية سياسية للفصائل ذاتها، فالشعب بات مدركاً أن جزءاً من القيادات السياسية باتت انعكاساً للكيان الصهيوني نفسه تدافع عنه وتتحرك وفق مصالحه بما في ذلك سلطة أوسلو التي باتت في وحدة حال مع الكيان الصهيوني، هو الشعب الذي يصوغ بانتفاضاته وسكاكينه وأحجاره وأمعائه الخاوية تدريجياً برنامجاً واحداً  معبراً وبشكل  حيّ عن الإرادة الشعبية الفلسطينية في فعل مقاوم وجماعي ينشد التغيير والانعتاق والتحرر ليؤكد مجددا ما قاله كنفاني " تسقط الأجساد لا الفكرة".