في التفكير تهلكة... على ذمّة النيويورك تايمز
التفكير النقدي خطر، وفقاً لمحرر النيويورك تايمز الذي يحثّ القرّاء على فحص المصادر في «ويكيبيديا» خشيةَ وقوعهم في الفخاخ التي نصبها منظِّرو المؤامرة، وخداعهم ليشكّكوا «بالحقائق» التي توردها الصحيفة.
بقلم: هيلين بوينيسكي
ترجمة وإعداد: قاسيون
تشارلي وارزل، الصحفي الذي يصنّف نفسه كخبير في «التطرّف على الشبكة» ناشد القرّاء في مقالة افتتاحية ألّا «يحفروا عميقاً» بحيث صوّر بوضوح خطر تقييمهم للمعلومات الجديدة، وسعيهم للبحث في الإنترنت وهم لا يملكون بجعبتهم سلاحاً غير عقلهم الخاص.
كما حذّر من أنّ التفكير النقدي يمكن أن يؤدي بالقرّاء لأن يتخلوا عن اهتمامهم الثمين لصالح أصحاب نظريات المؤامرة الغادرين الذين يحملون هدفاً وحيداً: هو خداع القرّاء. وذلك على عكس مراقبي الحبكات الودودين في نيويورك تايمز، الذين لا يبتغون سوى التأكد من أنّ عقلك لا يخاف إلّا ممّن يجب الخوف منهم: الفيروسات أو الروس أو جيرانك أو الإرهابيين أو البيض أو كما أضافوا: إمكانيّة تصديق التفكير الخاطئ الكامن في عقلك.
من المنطقي أن تقوم النيويورك-تايمز بتحذيرك من الانخراط بعمق في «التفكير الخاطئ». فهؤلاء القرّاء إذا ما أمعنوا التفكير في المواد الصحفية التي يهضمونها يومياً مع قهوتهم، فالتنافر المعرفي الذي سينتج عن ذلك من شأنه أن يدفعهم لتفجير رؤوسهم.
تناقض الصحيفة نفسها على أساس أسبوعي على أقل تقدير. مجرّد تتبع ومقارنة تطوّر تغطية الصحيفة لكوفيد-19 يوضّح اضطرارهم لإبقاء قرائهم في حالة من الخوف وعدم التوازن مع دفقات مستمرة من التنافر المعرفي.
يستشهد وارتزل بأحد الأساتذة الجامعيين الذي يحذّر: «هدف المعلومات المضللة هو لفت الانتباه، والتفكير النقدي هو جلّ الانتباه»، وهو ما يعني ببساطة بأنّك كلّما فكرت بشكل نقدي أكثر بمسألة محرّمة، سقطت ضحيّة للعقل الشرير الذي اخترعها. ويتابع شارحاً بأنّ طبيعة العقل البشري فيها عيبٌ يسمح للمحتالين ومنظري المؤامرة والمتصيدين وقراصنة الانتباه باستغلاله ومصادرة تركيزنا. أنت لا تريد لهذا أن يحصلك لك، قم على الفور بإغلاق ما تقرأ قبل أن تقع الفأس بالرأس.
يتشدّق البروفسور ببعض النصائح المبتذلة مثل تفحص المصدر وتتبع الدلائل، وهي أمور ليست سيئة بحدّ ذاتها. لكنّ نصيحته بألّا يستغرق القيام بهذه الأمور أكثر من 90 ثانية يثير الدهشة! وهو ما يشرحه وارزل بشكل غير مباشر: اللجوء لويكيبيديا – والذي تهيمن عليه وكالات الاستخبارات. ولكنّ وارزل – لنقول الحق – يحذّر من قدرة منظِّري المؤامرة على استغلال ويكيبيديا، والحلّ برأيه الاعتماد على أبرز النتائج التي ينصح بها «غوغل».
لقد بتنا على الأقل ندرك نهج صحفيي النيويورك تايمز في التحقق من الأخبار.
لنكن واقعيين في حكمنا: في عالم اليوم الذي ملّ فيه الناس من تطمينات وتحليلات صحفيي النظام القائم وبدأوا بالبحث عن بدائل مستقلة، ليس لدى وارتزل وأشباهه أمل إلّا إغلاق آذانهم بيديهم، وتحويل الناس عن غير منهجهم، المنهج الذي يقومون فيه بتحريف تفحص الحقائق وتحويله إلى عدو إيديولوجي. يمكن لنا رصد هذا الاتجاه في جميع وسائل التواصل الاجتماعي، وويكيبيديا أيضاً، حيث يتم «تلقيح» الناس عمداً ضدّ «فيروس» التفكير النقدي.
يريد أعداء التفكير النقدي هؤلاء أن يُبقوا الأمور على حالها، ليس في الإعلام فقط بل أيضاً في المدارس وأماكن العمل. يجب أن يستمرّ الأمريكيون بالاعتقاد بأنّ الوضع الراهن هو ما هو عليه هكذا لسبب يتجاوز قدراتهم على التغيير.
لا تُجهد عقلك، فقط استرخِ ودع النيويورك تايمز تهزّك لتنام. أي شيء غير هذا يعني سماحك للأشرار بالفوز.