الغرب اخترع الكذبة، لكنّه مُخطِئٌ بتصديقها
تتصرّف النخب المأزومة كما لو أنّهم يصدقون روايتهم عن الأحداث، ناسين بأنّها مجرّد وهم صنعوه ليسيطروا على المخيلة ضمن مجتمعاتهم.
لكن وبأيّ حال، فخلق قصّة – بوصفها واقعاً لا يمكن تحديه تبعاً للاستثمار الضخم فيها – لا يعني بالضرورة أن تمرّ دون من يشكك بها. يمكننا أخذ مثالٍ الرواية الاستعماريّة البريطانية عن الهند: من يتذكّر المبررات والأسباب التي ساقتها الإمبراطورية البريطانيّة لاحتلال الهند اليوم؟ لا أحد. فالتاريخ لا يذكر اليوم سوى رواية المتمردين على الاحتلال البريطاني أمثال غاندي.
لكننا دخلنا عصراً جديداً كلياً من حبك وتسويق القصص مع سيطرة شركات التكنولوجيا الفائقة العالمية عليها. ذكرت البروفسورة شوشانا زوبوف من جامعة هارفارد هذا عندما سمته: «رأسماليّة المراقبة» قائلة: «بناء على قوة قدرات المراقبة الخاصة بهم، ومن أجل أرباح المراقبة الخاصة بهم، صممّت الإمبراطوريات الجديدة انقلاباً معرفياً مناهضاً للديمقراطية بشكل أساسي، متميزاً بمركزة غير مسبوقة من المعرفة بأمورنا والسطوة غير الخاضعة للمساءلة التي تنتج عن هذه المعرفة».
لكن رغم كلّ هذا الجبروت، فهناك ضعف جوهري فيه.
هذا الضعف ببساطة: عندما تكون منغمساً للغاية في استثمارك وحبكتك لـ«واقع» محدد، يصبح من الصعب عليك الاستماع لـ«حقائق» الآخرين. إنّه عندما تفقد قدرتك على الوقوف بموضوعيّة لتفرّق بين الحقائق والوهم الذي خلقته لتبيعه للناس.
مثال: إدارة بايدن وفكرتها عن تجمّد الوقت منذ لحظة مغادرة أوباما للمكتب الرئاسي، وكأنّ الوقت مستمر دون من يقاطعه. إنّها محاولة إقناع الناس بأنّ «أمريكا عادت لتقود وتضع القواعد لبقيّة العالم، وذلك بعد فترة من التخريب غير المهم في عصر ترامب».
كيف يمكن لنخب الولايات المتحدة ووسائل إعلامهم أن تعيش حالة الإنكار هذه، وأن تملك أذناً من صفيح عمّا يجري من تغييرات داخلهم ومن حولهم؟
لكن ليست هذه السمة حكراً على الأمريكيين، فالكثير من النخب الأوربية تمتاز بالعمى نفسه. من السهل أن نفهم قيام وزير الخارجية الروسي لافروف بوصف الاتحاد الأوربي بـ«الشريك غير الموثوق»، فلدى لافروف تجربة معهم. يمكنكم تخيّل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي بوريل وهو يصل إليه حاملاً شكاوى من 27 دولة ضدّ روسيا. يقرأ عليه لائحته، ويتوقّع منه أن يجلس بتهذيب، مثلما جلس اليونانيون أثناء توبيخهم على ما لم يرتكبوه، بينما يستمع إلى «شروط النادي» التي على كلّ طَموح يرغب بإقامة علاقة مع «السوق الاستهلاكي الكبير» أن ينفِّذَها. هذه هي ببساطة ثقافة الاتحاد الأوروبي.
شرح بيبي إسكوبار سبب العجرفة الغربية عندما قال بأنّها مشروطة بالشعور الغربي بأنّ روسيا ليس لديها مكانٌ آخر لتذهب إليه، وعليها بالتالي أن تشعر بالرضا والشرف لمجرّد تنازل الاتحاد الأوربي لدفع «مجسات الأخطبوط» ناحية أوراسيا.
لكنّ الحقيقة الساطعة التي عميت عيون الغرب الواهمة عن رؤيتها: لقد تحوّل مركز الثقل الجيو-اقتصادي إلى الصين وشرق آسيا. ولهذا فالسؤال الذي يجب أن يطرحه العاقل: هل تجد قلب منطقة أوراسيا، البالغ عدد سكانها 2.2 مليار نسمة، بأنّه من المجدي توسيع نطاقها لضمّ الاتحاد الأوربي؟
يبدو أنّ البعض في أوروبا أدرك هذه الحقائق. أمّا احتمال أن يستمع من في الولايات المتحدة إلى الأصوات القادمة من أعالي البحار فأمر مختلف بعض الشيء، رغم أنّ الاستمرار بسماع نغمة خاطئة يمسّ مسائل الحرب والسلام.
بتصرّف عن: Cultural Deafness Defines the West