الهند: موجة غير مسبوقة منذ عشرينيات القرن الماضي
سعد خطار سعد خطار

الهند: موجة غير مسبوقة منذ عشرينيات القرن الماضي

في استمرارٍ لحراكهم واحتجاجاتهم التي ارتفعت وتيرتها خلال الأشهر الماضية، حاصر المزارعون الهنود الطرق الرئيسية في جميع أنحاء الهند يوم السبت الماضي للتنديد بالسياسات الزراعية الجديدة التي من شأنها أن تمكّن الشركات الكبرى وتوجه ضربات قاسية لمصالح المزارعين.

وتشير حركة المظاهرات التي خرجت يوم السبت إلى أن طاقة الاحتجاج لا تزال عالية، في ظل التعقيد الحالي الذي يسود المشهد، حيث لم تفضِ المفاوضات بين الحكومة والمزارعين عن أية اختراقات كبيرة حتى الآن، لكن ما لا ينبغي إسقاطه من الحسابات هو أن الحراك الحالي نجح في فرض وجوده على طاولة التفاوض ذاتها، وهو ما يعني إمساك القوى الجذرية للمزيد من زمام التأثير في المشهد السياسي الهندي.

ويصعّد المحتجون وقوفهم ضد ثلاثة قوانين زراعية جديدة أقرها حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم برئاسة ناريندرا مودي خلال شهر أيلول الماضي، وهي تهدف بجوهرها إلى تحرير الزراعة في عموم البلاد، بكل ما يخلفه ذلك من آثار كارثية على الفلاحين.

فبموجب القوانين الجديدة، سيبيع المزارعون منتوجاتهم ويبرمون عقوداً مع مشترين مستقلين من خارج الأسواق التي تديرها الحكومة والتي اعتاد المزارعون على القيام بأعمالهم التجارية من خلالها. لتبقَ الكلمة النهائية في تحديد مصير المزارعين بيد قوى السوق التي تعمل وفق محدد أساسي هو الربح الأقصى وإن على حساب مصلحة الملايين من الفلاحين.

ولم تدخر الحركة الاحتجاجية جهداً في تفنيد مزاعم الحزب الحاكم حول «ضرورة» القوانين الحالية وما ستجلبه من «تحسين» و«تحديث» على صعيد الزراعة. فرغم أن الحكومة قالت إنها لن تسقط الحد الأدنى من الدعم للمحاصيل الأساسية مثل الحبوب، إلا أن المزارعين يدركون أن هذه ستكون بمثابة الخطوة الأولى على طريق رفع الدعم تماماً، ما سيتركهم تحت رحمة الشركات الكبرى التي ستدفع أسعاراً منخفضة للغاية لشراء المحاصيل الأساسية، وستغرقهم في الديون كما يجري في العديد من الدول التي أخضعت كل زراعتها للشركات الكبرى. وهو ما ينبغي منعه في الهند، فعلى الرغم من أن الزراعة لا تمثل سوى حوالي 15% من إجمالي الناتج المحلي الهندي، فإن حوالي 50% من عمال البلاد هم من المزارعين، ويشارك مئات الملايين منهم في المظاهرات والإضرابات التي تشهدها الهند منذ الخريف الماضي لأنهم يدركون أن هذه القوانين بمثابة خطر وجودي يهدد حياتهم فعلياً.

الملفت بشكلٍ خاص في هذه الموجة من الاحتجاجات هي الائتلافات والاتحادات التي تجري في صفوف النقابات وتجمعات الفلاحين، وهو ما دفع بالكثير من المطلعين لاعتبار الموجة الحالية من «الوحدة الشعبية» شبيهة إلى حد كبير بالموجة التي شهدتها الهند في أوائل عشرينيات القرن الماضي، وبحكم الحركة، فإن النقابات والحركات والأحزاب الشعبية تشهد اليوم انتعاشاً غير مسبوق في مستوى الإقبال عليها، في مقابل اهتزاز صورة بعض الأحزاب «القومية والدينية» الرئيسية الملتفة حول سياسات النهب التي تتبعها حكومة البلاد.