فيسبوك والثورة والشارع
أكثر ما يزعج في تصفح فيسبوك، هم الأشخاص ذوو «الميول اليسارية» الذين يستمرون بالشكوى ممّا يحدث في العالم دون أن يقوموا بأيّ شيء حيال عدم رضاهم. لا يتنظمون ولا يحضرون لقاءات ولا يتظاهرون، ولكنهم يستمرون بإخبارك بأنّها أشياء لا جدوى منها. إنّهم ماهرون بالاستمرار بمجادلتك بكلّ شيء، ولكن عندما تطرح الحلول على الطاولة تبحث عنهم فلا تجدهم. هؤلاء موجودون قبل فيسبوك بكثير، لكنّ فيسبوك سهّل لهم الأمر ليس إلّا.
بقلم: رون جاكوبس
ترجمة قاسيون
أثيرَ الكثير حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في الاحتجاجات التي حدثت حول العالم في العقد الأخير. ولكن رغم الكثير من الآراء الإيجابية عن الدور الثوري المحتمل لوسائل التواصل الاجتماعي، فهناك حقيقة واحدة: التغريد والنشر والتعليق في وسائل التواصل الاجتماعي لا يؤدي لقيام ثورة.
أحد الأمثلة المتداولة هي الانتفاضات في العالم العربي وكذلك التظاهرات المتكررة في الولايات المتحدة. هذه التحركات أتت بعد سنوات من العوامل المحفزة ومن التنظيم الجاد تحت الأرض وفوق الأرض. ولسوء الحظ ما منع تحول حركات التمرد هذه إلى ثورات هو القمع المستخدم من قبل الشرطة والقوى العسكرية من جهة، والاستيلاء على هذه التحركات من قبل القوى الرأسمالية الليبرالية المدعومة من وكالات المخابرات الأمريكية.
فكرة أنّ الإعلام الاجتماعي يمكنه تنظيم ثورة هي أسطورة بكل بساطة. وليس ذلك فقط لأنّ الإفراط في الاعتماد على هذا الإعلام يمكن أن يعرض المحتجين للتلاعب بهم، بل أيضاً لأنّه من السهل إغلاق هذا النوع من الإعلام من قبل القوى التي يتم استهدافها بالاحتجاجات.
هذا أمر طبيعي، فوسائل الإعلام الاجتماعي تمثل إيديولوجيا المهيمنين، ولهذا نرى بأنّ إزالة الصفحات وتشفير التعليقات وحذف المنشورات أمر شائع جداً. من طبيعة الشركات أن تضمن تعبير هذه الوسائل عن رسالتها فقط.
بالنسبة لما نقرأه كثيراً في فيسبوك عن أنّ النزول إلى الشارع لم يعد من جدوى له، فهو طرح قديم كما أسلفت، ويمكن الردّ عليه بالنظر إلى احتجاجات 2020 في الولايات المتحدة ضدّ جرائم الشرطة وعنصريتها المنهجية. هذه الاحتجاجات لم تحقق النجاح في التحول لثورة بعد، لكنّها نجحت في دفع المسألة إلى مقدمة النقاش الوطني.
عدم النجاح في التحول لثورة يعود بشكل جزئي إلى أنّ الكثير من هذه الاحتجاجات قد تدخل بتنظيمها والدعوة لها منظمات ليبرالية لا مصلحة حقيقية لها بتغيير بنى السلطة القائمة. يمكننا إيراد مثال جيد هنا عن التظاهرات النسوية في الولايات المتحدة. فرغم أنّ منظمي هذه التظاهرات قد حشدوا مئات آلاف الأشخاص، فقد كانت حشوداً رمزية ولم تفعل شيئاً لمنع سياسات «التفوق الذكوري» في البلاد «يمكنكم النظر إلى تعيينات المحكمة العليا الحالية».
إنّ تزايد التظاهرات والاحتجاجات، سواء بين السكان الأصليين أو نشطاء البيئة ...الخ، هو دليل على أنّ الناس محبطون بسبب اللاعدالة المتأصلة في الرأسمالية ومن كونها تفضل ربح الأثرياء على صحة الناس الجسدية والعاطفية. لكن بدلاً من الانزعاج والتمني فقط، يجب على الناس أن تتنظم لتتمكن من تغيير هذا الأمر. وسائل التواصل الاجتماعي جزء من الاستراتيجية، لكنّها لا يجب أن تختصرها.
بتصرّف عن: Facebook and the Street