الوجود الأمريكي أحد الجذور العميقة للأزمة العراقية
لا تزال تتواصل احتجاجات المواطنين العراقيين المطالبة بإخراج القوات الأمريكية من البلاد، في وقتٍ شكلت فيه السلطات العراقية والأمريكية لجنة «تتولى مهمة جدولة انتشار القوات الأمريكية خارج الحدود العراقية، شريطة أن يكون ذلك وفقاً للحوار الاستراتيجي بين الحكومتين العراقية والأمريكية».
من الواضح أن استمرار المظاهرات المطالبة بالانسحاب الأمريكي من العراق على الرغم من إقرار مجلس النواب العراقي مطلع هذا العام، وبالأغلبية، قراراً يلزم الحكومة بإخراج القوات الأجنبية - الأمريكية خصوصاً- من أراضي البلاد، يهدف اليوم للضغط على الحكومة للامتثال لهذا المطلب، وإلزامها بنقله إلى التطبيق الفعلي دون مواربة.
يأتي ذلك في وقتٍ ترتفع فيه مخاوف الشارع العراقي من أن يكون قرار تشكيل لجنة الجدولة المذكور آنفاً لا يعدو كونه مراوغة، ومحاولة لتهدئة الشارع، ولا سيما في ظل «التسريبات» التي تتحدث عن نية أقطاب من السلطة الحاكمة الدفع باستبدال الوجود العسكري الأمريكي بآخر تابع لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو).
في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن الاحتجاج الشعبي ضد الوجود الأمريكي في البلاد ليس مرتبطاً بالدفاع عن سيادة وسلامة الأراضي العراقية فحسب، بل هو تصويبٌ نحو واحد من الجذور والأسباب الأساسية للأزمات التي يعيشها العراق، فمنذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، أسّست الولايات المتحدة بنية حكم في العراق قائمة على المحاصصة الطائفية والسياسية ظلت ممسوكة من جانب الاحتلال الأمريكي لضمان أوسع عملية نهب للثروات العراقية، كما تقصدت الولايات المتحدة أن تستهدف البنى التحتية الوطنية على نحوٍ كامل، ما أسفر عن تفاقم الديون العراقية بشكلٍ هائل بعد «إعادة الإعمار»، ذلك عدا عن الكوارث التي نتجت لاحقاً عن الضلوع الأمريكي في تسهيل تأسيس وتوسّع تنظيم «داعش» الإرهابي الذي دمّر المزيد من الإمكانات العراقية.
يأتي ذلك في ظل تخبط عالي المستوى يسود المشهد لدى السلطة العراقية، حيث فرضت الحكومة شرطاً على مجلس النواب يقضي بعدم صرف رواتب موظفي الدولة إلا إذا صوت المجلس بالموافقة على الاقتراض الداخلي (المقصود الاحتياطي النقدي العراقي)، بكل ما يعنيه هذا من انعكاسات على قيمة الدينار العراقي وقدرته الشرائية.
أمام هذا الواقع، وأمام حقيقة أن الحكومة العراقية الحالية لا تتحمل وحدها مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد بل النظام السياسي بأكمله، نظام المحاصصة والفساد المولِّد للأزمات، يتجه العراقيون صوب أساس المشكلة المتمثل بنهب العراق من جانب الولايات المتحدة التي هددت خلال هذا العام على لسان رئيسها دونالد ترامب أنها ربما تجمد حساب المصرف المركزي العراقي لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك في خطوة تهدف إلى ضمان خضوع البلاد للإملاءات الأمريكية.