كوفيد-19 وانهيار سوق النفط يوضحان انتهاء الهيمنة الأمريكية والبترودولار
عُمر أحمد  - ترجمة قاسيون عُمر أحمد - ترجمة قاسيون

كوفيد-19 وانهيار سوق النفط يوضحان انتهاء الهيمنة الأمريكية والبترودولار

أدى التأثير المشترك لحرب النفط بين روسيا والمملكة العربية السعودية، وتراجع الطلب على النفط الخام خلال وباء فيروس كورونا المستجد، إلى انهيار سوق النفط، حيث انخفضت الأسعار إلى حدٍ غير مسبوق: من 18 دولاراً للبرميل إلى أقل من ناقص 40 دولاراً وفقاً لمؤشر النقط الأمريكي «غرب تكساس الوسيط – WTI». فلم تصل أسعار النقط يوماً إلى السالب... لكن وعلى الرغم من ارتدادها إلى ما فوق الصفر، من غير المرجح أن يتعافى السوق في أي وقتٍ قريباً.

عُمر أحمد – Middle East Monitor

ترجمة قاسيون

لقد خلّف هذا الأمر المئات من منتجي النفط الأمريكيين، ممن استثمروا بكثافة في صناعة النفط الصخري، على شَفا الإفلاس: فالعالم مغمور بالنفط ولكن ليس هناك طلب كافٍ، أو حتى مساحة للتخزين، مما أرغم تجّار النفط على الدفع للناس للتخلص منه.

ومع وصول الولايات المتحدة إلى أكبر عدد من حالات الإصابة والوفيات جرّاء كوفيد-19، باتت تتخذ مقعداً خلفياً غير معهود في القيادة العالمية خلال هذه الأزمة، وأصبحت قوتها العظمى مكشوفة الآن، فتتقدم الصين لمَلء الفراغ في التعامل مع تفشي المرض في أوروبا والشرق الأوسط. وقد يكون الانهيار غير المتوقع لسوق النفط، هو المسمار الأخير في نعش الهيمنة الأمريكية، مما يعلن قرب نهاية اتفاقية البترول بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية... وربما للحفاظ على وهم العظمة الأمريكية، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتغريد «الولايات المتحدة قوية» في وقت سابق من هذا الشهر.

تعود الاتفاقية الأمريكية السعودية إلى السبعينيات في تلك الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية وصعود الولايات المتحدة في النظام الاقتصادي الجديد، حيث جرت بعد أن تم التخلي عن معيار «بريتون وودز» للذهب، الذي يفيد بضبط أسعار صرفٍ مرتبطة به وبعملات مدعومة به.
فعندما أصبح من الواضح أن النمو البطيء للعرض العالمي بات معيقاً لمشكلات الإنفاق الحكومي والتضخم واستمرار الديون في فترة حرب فيتنام، قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون آنذاك، بصدم العالم عبر إنهاء معيار الذهب، وبموجب تلك الاتفاقية الجديدة مع السعوديين، أصبح من غير الممكن شراء النفط إلا بالدولار، بمقابل الحماية الأمريكية والمعدات العسكرية.

لقد كان من المعتقد أن حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا قد بلغت ذروتها الأسبوع الماضي، حيث اتفقت الدولتان وأعضاء أوبك+ الآخرون، بعد ضغوط من ترامب الذي خشي من تأثيره على الاقتصاد الأمريكي، على خفض إنتاج النفط... فعلى الرغم من أن الاتفاق على خفض الإنتاج بمقدار 10 ملايين برميل يوميًا من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من الشهر المقبل، لكن في ضوء الوضع الحالي، قد يجري في وقت أقرب. وبالإضافة لذلك، من الواضح أن بعض البلدان المتضررة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، قد أدركت متأخرةً ضرورة تنويع اقتصاداتها القائمة على النفط.

 

في الشهر الماضي، تنبأ ماكس كيزر من «روسيا اليوم»، أنّه مع صعود روسيا، وليس السعودية، على القمة جيوسياسياً، فإن سوق النفط الصخري الأمريكي سوف يتحمل وطأة حرب النفط. حيث أن استخراج النفط في روسيا أرخص من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن روسيا لديها ديون أقل بكثير لتخشى عليها مقارنةً بالسعودية.        

وبحسب كيزر، فإن تأثير حرب النفط «سيكون انتزاعاً كاملاً لأحشاء صناعة النفط الصخري الأمريكي. التي ستحتاج إلى إنقاذ ضخم وطباعة أموال هائلة». لذا سيعاني الدولار الأمريكي «معاناة شديدة»، مما يشير إلى بداية نهاية الدولار باعتباره أقوى عملة عالمية وأكثرها ثقة. وبالطبع، فإن أي تأثير سلبي على الاقتصاد الأمريكي سيكون له آثار مضاعفة على الآخرين، بما في ذلك الدول المنتجة للنفط، والتي تعتمد بشكل كبير على هذه السلعة.

مع التوترات في الخليج حول إيران، قد يكون هناك حرب جديدة في الشرق الأوسط تلوح بالأفق. ففي المرة الأخيرة التي أنتجت فيها دولة خليجية - الكويت – كماً أكبر من النفط، قضت على اقتصاد العراق الذي مزقته الحرب، وأدت إلى حرب الخليج... إن أي تحرك للتخلي عن الدولار كعملة عالمية الآن لن يجري دون قتالٍ من واشنطن.

قد يكون الاتفاق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية انتهى. وبالفعل، هَدّد السعوديون العام الماضي بالتخلي عن الدولار في صفقات النفط، على الرغم من أن آخر دولتين قامتا بفعل ذلك في المنطقة، واجهتا حروبًا يقودها الناتو. حيث أراد معمر القذافي من ليبيا إيقاف التجارة بالدولار الأمريكي واستخدام الدينار المدعوم بالذهب بدلاً عنه، في حين أصرّ صدام حسين العراقي على التخلص من الدولار والتحول إلى اليورو في عام 2000. بالتالي تلعب المملكة العربية السعودية الآن لعبة خطيرة، وعلى العكس من روسيا، ليس لديها إمكانية ردع نووية خاصة بها، بالإضافة إلى أنها أوكلت دفاعها كلياً لأمريكا.

من المثير للاهتمام أن الولايات المتحدة تمر الآن بمأزق مماثل لإيران وفنزويلا المعرضتين للإرهاب الاقتصادي الأمريكي: ففي مواجهة العقبات عند محاولة بيع مواردهما الطبيعية، كل منهما تجري عمليات التجارة بعملتها الخاصة.

الآن وبشكل مأساوي، على الرغم من التريليونات التي أنفقتها الولايات المتحدة على الحروب في الشرق الأوسط من أجل استمرار سيطرتها على سوق الطاقة العالمية للحفاظ على تفوق الدولار، فقد أصبح الآن عديم القيمة، إنها لَإهانة كبيرة للملايين من الأرواح التي فُقدت أثناء هذه العملية.

نهاية البترودولار تعني نهاية عصر الهيمنة الأمريكية، ولكن من سيصعد كبديل عنها؟ إنه سؤال كبير جداً.

آخر تعديل على الأربعاء, 22 نيسان/أبريل 2020 18:38