باي باي أميركا... الانتقام البارد... لماذا دفعت روسيا أسعار النفط نحو الانهيار
 سيرغي زاغاتين- برافدا الصحفية سيرغي زاغاتين- برافدا الصحفية

باي باي أميركا... الانتقام البارد... لماذا دفعت روسيا أسعار النفط نحو الانهيار

«الأزمة الاقتصادية العالمية مستعرة بقوة. الأهم، هو أنّ الوقت قد حان لقيادتها ولاستخدام جميع الفرص التي تفتحها؛ المكافأة هي تحقيق التعادل مع الماضي»

ترجمة قاسيون


في العلوم السياسية الغربية الكلاسيكية، يجري وصف انهيار الاتحاد السوفييتي بأنه النتيجة المنطقية لمجموعة من التلاعبات الخارجية الماكرة التي أجراها الغرب بشكل جماعي تحت قيادة فريق ريغان، مما أدى إلى تضخم هائل في المشكلات الاقتصادية للاتحاد السوفييتي وإلى تعميق الخلافات الداخلية ضمن النخبة السوفياتية، وذلك بالاقتران مع تعب السكان من أيديولوجية عفا عليها الزمن. كل ذلك أدى بالمحصلة إلى ما يشبه انهياراً جليدياً؛ هذه التحديات أدت إلى تفكيك أول دولة اشتراكية على وجه الأرض.
التلاعب يعني في المقام الأول خدعة ريغان المتمثلة بـ SDI (مبادرة الدفاع الاستراتيجي)، والتي بفضلها غرق الاتحاد السوفييتي أعمق فأعمق في سباق التسلح، والذي كان مكلفاً للغاية بالنسبة له في الثمانينيات. بالتوازي جرى انهيار أسعار النفط (المصدر الرئيس لعقود النفط للاقتصاد السوفييتي)، والذي نظمته الولايات المتحدة بمساعدة المملكة العربية السعودية التي ادّعت بمهارة قيادتها للتضامن الإسلامي الذي غذته الحرب في أفغانستان.
هذا التفسير للأحداث ليس فقط مبسطاً إلى حد كبير، ولكنه مبسط بشكل مروع - على الرغم من أنه مناسب تماماً لتدريب جنود جدد للعولمة في جميع أنواع التصريحات الشبيهة بالصحة والسلامة والبيئة.
ويمكننا بناء على هذه التفسيرات الدارجة القول إنّ الشركاء الأعزاء في الخارج لم يستخلصوا أي استنتاجات من التاريخ الحقيقي لانهيار الاتحاد السوفييتي - وهذا أمر جيد.
التاريخ كما يقال، امرأة خبيثة، وسيكون من المضحك جداً أن نقرأ في الكتب المدرسية للمستقبل كيف أن الشرق، بشكل جماعي وبقيادة بوتين، خدع الولايات المتحدة لأول مرة في سباق التسلح الذي لا معنى له والمكلف للغاية بالنسبة لأمريكا في عشرينيات القرن الحادي والعشرين (مع عجز ميزانيتها بمقدار تريليون دولار) وفي وقت كان فقدت فيه النخبة الأمريكية وحدتها (هوت سوق الأسهم وانفرط عقدها لتخسر ما يصل إلى 15 ٪ من قيمتها خلال أسبوع واحد)؛ هوت أسعار النفط - ومعها الاقتصاد الغربي.
باختصار: تصرف بوتين مع الولايات المتحدة، مثل ريغان مع اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.
نظرة كالتي أوردناها أعلاه لما يحدث الآن، لن تكون أقل تسطيحاً وبساطة، لأن الناس بشكل عام يحبون الرمزية، وعلماء السياسة يحبون الرموز أكثر من غيرهم.

ولكن بعيداً عن الترميز التاريخي المبسط، نحن بحاجة إلى الإجابة على السؤال: لماذا خفضت روسيا أسعار النفط يوم الجمعة 6 مارس 2020؟

فلنبدأ بالحقائق:

1) في بداية عام 2020، كانت لدى روسيا ميزانية فائضة تكونت من اعتمادها سعراً منخفضاً لبرميل النفط عند 40 دولاراً. اعتبارًا من 1 مارس 2020، بات احتياطي الذهب في روسيا يقدر بأكثر من 570 مليار دولار.

2) في بداية عام 2020، كان لدى المملكة العربية السعودية ميزانية خالية من العجز بمتوسط سعر سنوي للنفط يبلغ 85 دولارًا للبرميل. ويقدر احتياطي الذهب في المملكة العربية السعودية في بداية 2020 بأكثر بقليل من 500 مليار دولار.

3) الولايات المتحدة في بداية عام 2020 لديها ميزانية مستقلة عن أسعار النفط، ولكن لديها أكثر من تريليون دولار عجز، مع إنفاق 4.7 تريليون دولار. بالإضافة إلى أكبر دين عام - حوالي 23.4 تريليون بالدولار. أي أنّ وجود هذه الدولة مدعوم فقط من قبل "المطبعة" سيئة السمعة التابعة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي والسيطرة على البترودولارات. احتياطي الذهب لدى الولايات المتحدة الأمريكية، بالمقارنة مع حجم الدين والإنفاق، صغير نسبياً إلى تلك الدرجة التي يمكن اعتباره مجرد خطأ إحصائي لا أكثر!

4) في بداية عام 2020، كان ما يسمى بنفط "الصخر الزيتي" يشكل ثلثي حجم النفط المنتج في الولايات المتحدة. اليوم، بدأت الإدارات الأمريكية في إظهار وجه جيد في لعبة سيئة، وتجادل بأن تطوير إنتاج النفط الصخري سيقلل تكلفته إلى حدود 25 دولارًا للبرميل، ولكن من الواضح أن هذه محاولة فاشلة لمنع الذعر في البورصة. النفط الصخري غير مربح، أولاً وقبل كل شيء، لأن الدرجة الضخمة من الاقتراض من قبل الشركات العاملة في الصخر الزيتي معروفة لجميع الممولين.

5) بالإضافة إلى ذلك، فإن الذعر في البورصات الأمريكية موجود بالفعل فيما يتعلق بالانخفاض المستمر لجميع المؤشرات والرسملة على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، إما بسبب الخوف من الفيروس التاجي (الكورونا)، أو من خلال محاولة تفجير الفقاعات المالية تحت عذر مقبول، يسمى: "تصحيح".

بالنظر إلى جميع الحقائق المذكورة أعلاه، يبدو لي شخصياً أن قرار روسيا بتخفيض أسعار النفط قرار عملي للغاية وله ثلاثة أهداف رئيسية:

أ) تعزيز السيطرة على الشرق الأوسط، مما يجعل المملكة العربية السعودية أكثر ارتباطاً بروسيا؛

ب) الانتقال إلى المرحلة التالية من عملية إحلال الواردات، وفصل الاقتصاد عن تأثير البترودولار؛

ج) تدمير منافسي النفط والغاز في الولايات المتحدة - شركات "الصخر الزيتي" ذات الفضل الكبير - وكمكافأة، كسر ظهر الحامل الأساسي للاقتصاد الأمريكي: هيمنة الدولار.

نقطة أخيرة تستحق التركيز عليها: يمكنك مشاهدة البث المباشر اليوم 9 مارس 2020، الساعة 17.30 بتوقيت موسكو، مع بدء التداول في شرق الولايات المتحدة، حيث بدأت أسهم المنتجين الرئيسيين لـ "الصخر الزيتي" في التهاوي.  فيما يلي بعض الروابط الرائعة- شركة بايونير للموارد الطبيعية، شركة وايتينغ للبترول، أوكسيدنتال بتروليوم كوربوريشن.


 

بالإضافة إلى ذلك، هناك مؤشر مهم مثل عدد الحفارات النشطة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه مؤشر لا يجري تحديثه يومياً بل على أساس أسبوعي.

من المحتمل أن يؤدي انهيار هذه الرساميل إلى دفع التبادلات الأمريكية إلى أسفل؛ إلى هاوية أزمة لا يمكن السيطرة عليها.

إن قرار روسيا إسقاط سوق النفط هو قرار لقيادة إدارة الأزمة الاقتصادية العالمية والحصول على أقصى مكافآت عند اكتمالها. وهو قرار محق؛ ينبغي لنا، بشكل مجازي، أن نحصل على الحد الأقصى عند توزيع "الميراث الأمريكي". ليس لدينا الحق الأخلاقي في ذلك فحسب، بل أيضًا جميع الموارد المناسبة: التمويل الصحي والاقتصاد المستقل بشكل متزايد ولدينا "ورشة عمل العالم"- الصين، حليفاً لنا. ولدينا الجيش والبحرية والحرس الروسي.
لن يكون العالم كما هو أبداً، تشرق الشمس الروسية - ببطء، ولكن بثبات.

 

المصدر

آخر تعديل على الأربعاء, 11 آذار/مارس 2020 14:44