إيران: اتفاق النووي يرسخ التوازن الدولي
وعقد اتفاق الملف النووي بين إيران ومجموعة 5+1، بعد أكثر من عشر سنوات من المباحثات التي انتهت، دائماً، باتهام الغرب لإيران بعدم التعاون، ومطالبة إيران بالاعتراف بحقّها بالحصول على الطاقة النووية السلمية.
وتختصر تفاصيل الاتفاق الأساسية بأن عمره ستة أشهر، خلالها يمكن لإيران تخصيب اليورانيوم، بنسبة لا تزيد عن 5%، وتوقف العمل بكل المنشآت التي تحوي يورانيوم مخصَّب بنسبة 20%، دون إتلاف تلك المنشآت والمواد، وبالمقابل تلغى العقوبات الدولية المفروضة على إيران تدريجياً..
ميلودراما الكيان الصهيوني
إعلامياً بدا أن المعلم الكبير يمسك بزمام الأمور، هذا ما حاول إيصاله «جون كيري» و«باراك أوباما» عندما وصفا الاتفاق بخطوة أنجزتها قوى الديمقراطية، على طريق إيقاف تام لبرنامج إيران النووي، فلا داعي لقلق حلفاء أمريكا.
لكن «يعقوب أميدرور»، رئيس مجلس الأمن القومي السابق في الكيان الصهيوني، يفرد في مقال طويل كلَّ المخاوف وعدم الرضا في «الكيان الصهيوني» عن اتفاق جنيف، ويختم مقاله بجملة تختصر ما يعتمر قيادات الصهاينة اليوم: «اتفاق جنيف حوَّل العالم لمكان خطير، ليس هذا ما يريده العالم ويجب عدم القبول به».
ولم يترك أحدٌ من قيادات الكيان الصهيوني فرصةً للتعبير عن خطورة هذا الاتفاق على أمن الكيان والمنطقة، وفق تعبيرهم، وبالتالي ضرورة إلغاء هذا الاتفاق، ومنع إيران بأية وسيلة من امتلاك الطاقة النووية وتالياً السلاح النووي.
وبناءً على ممانعة الكيان الصهيوني، بشكل رئيسي، لاتفاق جنيف الأخير، وتشاركَه في ذلك السعودية، ولو عبر تصريحات خجولة ومرتبكة، يظهر أن المعلم الأمريكي الكبير لا يمسك بزمام الأمور.
لنرى الصورة الكبيرة
ما الذي يخيف أدوات أمريكا في الاتفاق الحالي؟، ففي تفصيل الاتفاق ستلغى العقوبات الأمريكية الدولية، بالتدريج، وليس كلياً، عدا عن الخلاف القائم داخل مؤسسة القرار الأمريكي حول ضرورة الإبقاء على العقوبات، ولو جزئياً، للتأكد من محاصرة إيران دائماً. وضمن عملية تخفيف العقوبات على إيران، سيتم الإفراج عن حوالي 40 مليار دولار خلال فترة الاتفاق، ومبدئياً 3 مليارات دولار، خلال الأسابيع القادمة، وتلك المبالغ هي ملك الجمهورية الإسلامية ومحجوزة في المصارف الدولية.
الخطر أعمق من ذلك حتماً، فخلال العامين الماضيين تراجع الوزن الأمريكي دولياً بشكلٍ سريع، وأهم المفاصل التي من الممكن ذكرها، الفيتو الروسي الصيني الثلاثي ضد العدوان على سورية، ومن ثم تراجع الولايات المتحدة عن الضربة العسكرية «المحدودة» التي سوّق لها لأسابيع، فشل مشروع الإخوان المسلمين في مصر وتونس وتأزم الحركة في تركيا، التوجّه المصري نحو الروس، واليوم يأتي الاتفاق حول النووي الإيراني ليدخل في السلسلة ذاتها، ويعبّر أكثر فأكثر عن التغيّر في التوازن الدولي.
هذا ما يرعب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية التقليديين، ووفق الصحفي والمحلل الاستراتيجي، «بيب إسكوبار»، فإن تاريخ الولايات المتحدة بالسيطرة على القرار العالمي بدأ يُمحى بسرعة، وتأتي معه الصدمات واختلال التوازن على الصعيد الدولي، وإن هذا الاتفاق هو اعتراف دولي بحق إيران في امتلاك الطاقة النووية، ولو أن هذا الاعتراف ضمني وغير معلن، لكنه كاف ليعبّر عن جوهر هذا الاتفاق، وما سيتبعه من تداعيات تعبّر عن الجوهر ذاته.