مأزومان.. وأزمة وطنية
عبدالرحمن ناصر عبدالرحمن ناصر

مأزومان.. وأزمة وطنية

كثر ما يتفق حوله المسؤولون الفلسطينيون هذه الأيام، هو الإقرار بوجود أزمة عميقة تطاول كافة جوانب المشهد الفلسطيني، حتى المكابرون من بين هؤلاء، والذين يصرون على محاولة تجاوز الواقع نحو أوهام مكشوفة، لا يستطيعون بين حين وآخر غير الاعتراف بالحقائق، معطوفاً على نوع من التسليم بالعجز عن المعالجة.

"كيف لطرفين مأزومين داخلياً، أن يعالجا أزمة وطنية عميقة"؟ يتساءل قيادي فلسطيني، وهو يشير إلى الأزمات التي تعصف بحركتي فتح وحماس، والتي لم تعد خافية على أحد، مضيفاً: "لقد صنعا الانقسام، وأنتجا بذلك كارثة أحاقت بالقضية الفلسطينية، ولمواجهة الأزمة الداخلية لكل منهما، يسعيان إلى تحويل كارثة الانقسام، لورقة في النزاعات الداخلية".

 

يبدو حديث القيادي الفلسطيني صادماً، ومثيراً للدهشة في الوهلة الأولى، ولكن تدقيقاً عميقاً في الصورة، سيفضي إلى القناعة بصحة الكثير مما يقوله، وإلا كيف يمكن تفسير الحالة شديدة البؤس للمشهد الفلسطيني الراهن؟

في هذا المشهد: مفاوضات مستمرة، دون أجندة وطنية واضحة، لا يعرف أحد إلى أين ستفضي بمستقبل القضية الفلسطينية، خصوصاً وهي تترافق مع استمرار التهويد والاستيطان، وبقرارات متتابعة تصدرها حكومة العدو الصهيوني، وتؤكد من خلالها على التمسك بالقدس مدينة موحدة وعاصمة لدولة "إسرائيل"، وتنسيق أمني وصفه رئيس السلطة الفلسطينية بأنه بلغ مئة في المئة.وفيه انقسام كارثي، يجهد طرفاه إلى تعميقه، وإدخال معطيات جديدة إلى بنيته بحيث يبدو من المستحيل التغلب عليه، أو تخطيه.

 

لكن ما هو أخطر من كل هذا، إحساس الفلسطينيين بغياب الأطر المسؤولة عنهم، أو ما يعرف عادة بالمرجعية الوطنية الفلسطينية، ففي كل مكان يوجد فيه الفلسطينيون تغيب مرجعية مسؤولة عنهم، تتبنى ليس قضيتهم الوطنية العامة، بل قضاياهم الصغيرة واليومية، في ظل معاناة قاسية، وتعقيدات غير مسبوقة.

"عما يتحدث هذا الرجل"؟ سؤال أطلقه لاجئ فلسطيني في سورية تحول إلى نازح في لبنان، ويتصل بكل من يعرفه كي يؤمن له مبلغاً من المال، يقدمه لأحد متعهدي التهجير عبر قوارب الموت إلى "جنة السويد"، مناسبة التساؤل هي دعوة السيد إسماعيل هنية، رئيس حكومة غزة، الفلسطينيين اللاجئين في سورية، للتوجه إلى غزة، بدل الذهاب في زوارق الهجرة إلى أوروبا، والتي تحولت إلى جنازات محتملة لكل من يضع قدميه فيها.

 

"ألا يعرف أن مصر تمنع دخولنا أصلاً؟ أم يريد المتاجرة بأوجاعنا، لحل مشاكله مع المصريين"؟ تبدو الأسئلة مشروعة، وهي تعكس إحساساً مزدوجاً لدى الفلسطينيين بأن قياداتهم تعيش بعيداً عن الواقع، ولا تتحسس آلامهم، أو هي تريد متاجرة رخيصة بها.

ويتهكم هؤلاء على الوفود التي يرسلها رئيس السلطة إلى دمشق، والتي لا تفعل شيئاً في الواقع لحل مشكلات اللاجئين الفلسطينيين، رئيس السلطة دعا اللاجئين للبقاء في سورية، حسناً، ولكن هذا يتطلب توفير شيء من الدعم لهم، تقديم أموال تساعدهم على البقاء والصمود.

 

"قدموا مساعدات مضحكة، 1500 ليرة سورية للفرد، ولم يستطع الكثيرون الحصول عليها حتى الآن، السيد عباس مشغول بالمفاوضات والتنسيق الأمني مع الاحتلال بنسبة 100 في الـ100"، يقول لاجئون فلسطينيون يقيمون في مدرسة قريبة من مخيم اليرموك.

"من يريد إنهاء هذه المعاناة حقاً، فليجند الشباب لتحرير المخيم من المسلحين الذين عاثوا فيه فساداً، وطردهم منه كي يتمكن أهلنا من العودة إلى بيوتهم التي طردوا منها، هناك إمكانية واقعية لهذا الأمر، إن خلصت النوايا لإنهاء المعاناة، والتوقف عن الهراء وإطلاق الأكاذيب"، يقول أحد القادة العسكريين لفصيل فلسطيني يشارك في معركة استعادة المخيم.

 

هم يتحملون المسؤولية

 

يعبر غالبية الفلسطينيين عن قناعة بأن المسؤولين الفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم يتحملون مسؤولية مباشرة عما وصلت إليه أوضاع الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، هم لا يصدقون كلام قادة حماس عن عدم التدخل في سورية ومصر، يذكرون أسماء وأرقاماً ومواقف، ولا يصدقون كلام السلطة وفتح عن الاهتمام بهم، ومحاولة حل المشاكل التي يواجهونها.

"لقد كشفت الأزمة مثالبهم كلها" يذكر صحافي فلسطيني، مضيفاً: "هل لاحظتم استطلاعات الرأي الأخيرة في الضفة وغزة؟ هذه الاستطلاعات تقول: إن 62 % من أبناء الشعب الفلسطيني في المنطقتين لا يثقون بالفصائل الفلسطينية إجمالاً، وبفتح وحماس على وجه الخصوص، أعتقد أن هذا الاستطلاع موجه لصالح الفصائل، برأيي أن 90 % من أبناء الشعب الفلسطيني لا يثقون بالفصائل ودورها".

 

لدى كل من فتح وحماس قدرة حاضرة، على تحميل الطرف الآخر المسؤولية عن المأساة الفلسطينية بكل جوانبها، يكاد المرء يشعر بأن كلاً منهما يبذل الجهد الاستثنائي، في إحصاء مواقف الآخر، وتهيئة الردود عليها، لقد امتلك الطرفان مع الوقت كل الأدوات اللازمة لشيطنة كل منهما للآخر، وفي السياق نجحا في شيطنة الفلسطيني، وهذه هي المشكلة الكبرى.

الفصائل الأخرى، تتذرع بالعجز أمام القوتين الأكبر في الساحة الفلسطينية، تلك المسيطرة على غزة، وتلك التي تستأثر بالقرار الفلسطيني في الضفة، وتوظف منظمة التحرير في سياق خدمة ما تريده من مواقف وقرارات.

 

"هما طرفا الانقسام، وهما الطرفان المستفيدان منه، ولا تصدق أن أياً منهما يريد حقاً إنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية، هما يتغذيان منه، ولذلك يجدان مصلحة في استمراره وتعميقه، لقد بذلنا جهوداً كبيرة لتجاوزه، وكلاهما يكذبان علينا، أي أنهما يكذبان على الشعب الفلسطيني كله"، يقول قيادي فلسطيني بارز في تنظيم فلسطيني عضو في منظمة التحرير الفلسطينية.

"أمام الواقع الصعب، وحالة الانسداد التي تسببت بها حماس وفتح، أطلقنا مبادرة لعقد مؤتمر فلسطيني عام، تشارك فيه كافة الفصائل الفلسطينية، ويعقد في القاهرة، وتكون مهمته الأساسية العمل على إنهاء الانقسام فوراً، وإعادة بناء المرجعية الوطنية الفلسطينية، تلقينا موافقة من الفصائل الفلسطينية ما عدا طرفي الانقسام فتح وحماس، اتصلنا بهما، وتلقينا وعداً بدرس المقترح"، يقول قيادي فلسطيني بارز في فصيل خارج منظمة التحرير الفلسطينية.

"لا نستطيع توقع شكل الإجابة النهائية لهما، لقد شددنا على عقد المؤتمر في القاهرة، ثم قلنا لهم ليكن في أي دولة عربية توافق على استقبالنا، المهم أن تنتهي هذه الحالة الصعبة، والتي تنذر بمخاطر شديدة على مستقبل شعبنا وقضيتنا، ولكننا ندرك أهمية عقده في القاهرة، لما لذلك من أهمية، في حلحلة مشكلات عديدة، من بينها العلاقة بين بعض القوى الفلسطينية ومصر" يتابع القيادي الفلسطيني البارز.

"أخطأت حماس في تقييم الموقف مع مصر، هذا استمرار للخطأ الفادح الذي ارتكبته في سورية"، يقول الصحافي الفلسطيني المتابع، مضيفاً “ربما أمكن التغلب على ما خلفته الأخطاء في سورية بسبب وجود قوى فلسطينية أخرى، اتخذت مواقف صائبة ومناسبة، لكن الخطأ مع مصر ستكون له نتائج قاسية على قطاع غزة، والمشكلة أن قيادة حماس تبدو في وضع من لا يقدر حقيقة ما حصل وكيفية التعامل معه، وهذا يعكس بنظر البعض وجود خلافات عميقة داخل حماس نفسها في التعامل مع كثير من الأحداث".

 

مأزومان.. وأزمة

 

عند هذه النقطة، يعود الكلام عن الوضع داخل الفصيلين الكبيرين، واعتقاد كثيرين باستخدامهما الانقسام ورقة في الأزمات الداخلية، ففي الحديث عن حماس، توقف كثيرون عند غياب القيادي في الحركة محمود الزهار، عن حضور خطاب هنية الأخير، والذي أطلق خلاله سلسلة من المواقف حول الوضع الفلسطيني الداخلي، والعلاقة بالدول العربية، وهناك كلام كثير عن وجود أكثر من اتجاه متصارع داخل الحركة، سيكون من شأن إنهاء الانقسام تظهيرها بشكل علني فاقع، وقد يهدد مستقبل حماس كحركة موحدة.

وبينما يصر قادة حماس على نفي وجود أي خلافات داخلية، بل اجتهادات في بعض المواقف، فإن قيادات فتح لا تستطيع إخفاء تمظهرات الأزمة الداخلية العميقة التي تعانيها الحركة، يكفي للدلالة على ذلك مراجعة الموقف المتصل بمحمد دحلان، القيادي السابق في الحركة، والذي يصر بدعم إقليمي، وربما دولي على ما يقول البعض، على العودة إلى صفوف الحركة، وبموقع مميز، ليس أقل من نيابة محمود عباس في فتح والسلطة معاً.

تداعيات هذا الأمر طاولت أقاليم تنظيمية عدة في الحركة، ليس آخرها فصل القيادي في فتح/ لبنان محمود عيسى الملقب باللينو، ويخشى هنا من تداعيات لهذا القرار، تمس بفتح وبالمخيمات الفلسطينية أيضاً.

وفي الضفة، يشار إلى حالات من التذمر تشمل فئات وأقاليم مختلفة، ناهيك عن الوضع التنظيمي البائس في قطاع غزة، ليس الأمر مرتبطاً دوماً بمحمد دحلان، وإن كان يحلو لقيادات فتح إبقاء التصويب على هذه النقطة لإخفاء قضايا أخرى، هي مثار انقسام، وتعكس أزمات متنوعة داخل إطارات الحركة، بعضها على صلة بالخيارات السياسية، وموضوعات التفاوض، وجلها تتصل بالمحاصصات والتصارع التنظيمي، كيف لمأزومين أن يحلا أزمة؟ سؤال صحيح، والإجابات في مثل هذه الحالة أكثر من معروفة.

 

 

المصدر: صحيفة الثبات

آخر تعديل على الأربعاء, 18 كانون1/ديسمبر 2013 13:18