غليون «يتحرر»: النفاق مرتدياً عباءة «النقد»

غليون «يتحرر»: النفاق مرتدياً عباءة «النقد»

تصريحات اليوم تمحي «تخبيصات» الأمس. هذا ما يعتقده عدد لا بأس به من القوى والشخصيات التي كانت فاعلة في الأزمة السورية تسعيراً وتأجيجاً وإذكاءً للنار فوق عذابات الشعب السوري. وبدلاً من الاعتذار المباشر (الذي حتى وإن جرى فستكون قيمته صفراً مكعباً بجدارة) عن مقدار العمالة التي حكمت عمل هذه الشخصيات، يحاول بعضها التذاكي عبر إطلاق مواقف «نقدية» لحالة الركض وراء الجزرة التي لوّحت بها القوى الغربية على امتداد سنوات الأزمة السورية، وهو ما اتسم به عمل هذه القوى المسمّاة زوراً بـ«المعارضة».

أحد من هذه الشخصيات هو أول رئيس لما سمي بـ«المجلس الوطني»؛ برهان غليون، الذي خصص مقاله المنشور في صحيفة «العربي الجديد» يوم الأحد 30/12/2018، ليعلن عام 2018 «عاماً للتحرر من الوهم الأمريكي»، منتقداً نزعة بعض القوى السياسية السورية وبعض الدول العربية للتعويل على الدور الأمريكي في سورية، وكأنه بعيد كل البعد عن هذه التهمة وبريء منها!

فيما يلي، لن نطيل في تحليل تصريحات غليون، إنما سنكتفي بعرض بعض المقتطفات من المقال المذكور الذي يمثل مواقف «غليون 2018»، ومقتطفات أخرى من مواقف غليون في بدايات الأزمة السورية وخلالها:

 ــــــــــــــــــــــــــــــــ

غليون (2018): «أرى في هذا الانسحاب (الأمريكي) عنصراً تحرّرياً، لما يمثله من خطوةٍ على طريق الخلاص من الوهم الكبير الذي تمثله القوة الأميركية العالمية، والرهان المدمر وغير الموثوق، الذي وضعته قوى اجتماعية وقومية كثيرة، وحكومات إقليمية وعالمية أيضاً، على هذه القوة لتحقيق أهدافها، أو ما تعتقد أنه مصالحها الأساسية أو المستقبلية».

غليون (2013): «هناك حالة من تقاطع المصالح في توجيه ضربة عسكرية لنظام بشار الأسد، وتحديداً بين مصالح أميركية وفرنسية ومصالح الشعب السوري... الأميركيون والفرنسيون يريدون إثبات حضورهم في المشهد وعدم السماح للروس ولدكتاتور صغير كبشار بتحديهم، وحريصون على الاحتفاظ بعلاقات ودية مع الشعب السوري في المستقبل حتى لا يتعرضوا للنقد من قبل الرأي العام العالمي عندما يسألهم لماذا صمتم أمام مجزرة حقيقية ولم تفعلوا شيئاً؟».
(المصدر: وكالة دويتشيه فيليه، 7/9/2013)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غليون (2018): «في الحالة السورية، كان للأوهام التي غذّتها سياسات واشنطن دور كبير في دفع لاعبين كثر، إن لم يكن كل اللاعبين، إلى الخطأ في حساباتهم، وفي إيصال الأوضاع إلى درجةٍ من التداخل والاختلاط، أدخلت الصراع في تشابكاتٍ وعقدٍ لا يزال من الصعب تفكيكها والخروج منها».

غليون (2012): «إذا لم يُقصم ظهر نظام الأسد ونجح الأخير في الاستفادة من هذه الضربة العسكرية المحدودة، بالخروج منها صاغ سليم، لا شكّ أنّه سينتقم من الشعب السوري ويتحدّى النظام الدولي وسيستمر في قتل أكبر عدد من السوريين... التحالف الدولي يتدخل لمصلحة الحفاظ على قواعد النظام العالمي القائم، وفي سياق عدم السماح لأي دولة بخرق القواعد الدولية أو عدم الالتزام بها».
(المصدر: صحيفة الجمهورية- «ساعة الصفر تقترب»- 30/7/2013)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غليون (2018): «أول الأوهام التي غذّتها الولايات المتحدة كان وهم الوقوف مع الانتفاضة الشعبية، ومعارضة بقاء رأس النظام، إن لم يكن النظام ذاته، عندما طالب الرئيس الأميركي بشار الأسد بالتنحّي. وهذا ما أعطى جمهور الانتفاضة الثقة بأن المجتمع الدولي ينظر ويشاهد ويقف إلى جانبه».

غليون (2012): «نحن نعبر عن طلبات الشعب السوري ودعونا أكثر من مرة إلى ضرورة تسليح الجيش الحر، ونتمنى أن يتبنى مؤتمر أصدقاء سورية هذا الطلب. يجب تغيير ميزان القوى، وهذا يحتاج إلى تفاهمات مع الدول، خصوصاً القريبة منا لتأمين الوسائل التي تغير ميزان القوى»
(المصدر: سكاي نيوز العربية - غليون يدعو أصدقاء سوريا لتسليح الحر- 31/3/2012)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غليون (2018): «خروج الأميركيين اليوم يحرّر السوريين والخليجيين والكرد من الأوهام التي أنتجها وهم الرهان على وجود الأميركيين وعدم وجودهم في الوقت نفسه، أي أنانيتهم واستخدامهم الآخرين أدواتٍ لخدمة أهدافهم، والتخلي عنهم عندما تتحقّق هذه الأهداف أو لا تتحقق، لمصيرهم. فمن المفيد للسوريين أن يعرفوا أن أميركا ليست إلى جانبهم، ولن تتدخل لصالحهم، وعليهم أن يتعلموا أن يقلعوا شوكهم بأيديهم».

غليون (2011): «إن المجلس الوطني السوري يتفق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في ما يتعلق باتهام إيران بمساعدة الرئيس بشار الأسد في إجراءاته الصارمة ضد التمرد السياسي. إننا ندعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات جديدة شديدة ضد نظام الأسد بما فيها فرض منطقة حظر جوي فوق سورية... هدفنا الرئيس هو إيجاد آلية لحماية المدنيين ووقف ماكينة القتل في سورية، مع ضرورة اتخاذ تدابير فعالة لإجبار النظام على احترام حقوق الإنسان».
(المصدر: الجزيرة – غليون يتعهد بمقاطعة إيران وحلفائها- 2/12/2011)

ــــــــــــــــــــــــ

غليون (2018): «ما سقط في إعلان الانسحاب الأميركي من شرق الفرات ثلاثة أوهام كبيرة، عاش عليها المشرق، وخربت حياته السياسية والإقليمية: وهم دعم واشنطن للديمقراطية العربية، ووهم الحماية الأميركية للخليج وثروته النفطية، وأمن باقي الدول العربية، ووهم تبنّي واشنطن، بسبب ديمقراطية حكمها، قضايا الأقليات القومية والدينية».

غليون (2013): «ليس هدف الضربة (العسكرية الأمريكية على سورية) هو رغبة الولايات المتحدة في الحفاظ على أمن إسرائيل أو خلق حالة من التفكك بالشرق الأوسط وتقسيمه لدويلات على أساس ديني طائفي أو عرقي... أتفهم إمكانية أن تتعارض المصالح الغربية الدافعة لهذه الضربة مع مصالح الشعب السوري في الوقت الراهن أو في المستقبل، لكن اليوم مصلحة الشعب السوري الرئيسية هي أن يبقى ويعود ليعيش حياة طبيعية».
(المصدر: وكالة دويتشيه فيليه، 7/9/2013)

ــــــــــــــــــــــــــ

تنتمي «مراجعة» غليون المذكورة آنفاً بجوهرها إلى منطق الفضاء السياسي القديم، الذي اعتاد أولاً على سلوك سياسي يتجاوز كل الحقائق التي نطق بها الواقع السوري خلال الأزمة، ومن ثم محاولة تعميم وتجيير نتائج هذا السلوك السياسي إلى غيره من القوى، مثبتاً بذلك أنه في مواقفه «القديمة» و«الجديدة» على حدٍ سواء إنما ينتمي إلى هذا الفضاء السياسي القديم الميت، الذي لم يبق أمام قواه وشخصياته إلا أن تعيش على هامش الأحداث.

آخر تعديل على الإثنين, 31 كانون1/ديسمبر 2018 14:17