بريطانيا: هل من ملاذ لعاصفة «بريكست»؟
ذات مرة سخرت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي من أن خصمها جيرمي كوربن يحلم بمشروعات لا يمكن إلا «لشجرة أموال سحرية» توفير تكاليفها. ومع هذا شرعت ماي في مشروع خيالي خاص بها وذلك بالنظر للقائمة المتزايدة باستمرار لوعود الإنفاق بعد البريكست.
أما أحدث الهدايا على هذا الصعيد فتهدف إلى منح البلاد فرصة المقاومة بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في صورة مشروع لصناعة طائرات مقاتلة أطلق عليه «تيمبست». وأعلنت الحكومة أن المشروع سيبقي بريطانيا على رأس القوى العسكرية عالمياً ويدعم آلاف الوظائف.
وتعهدت الحكومة باستثمار أولي بقيمة ملياري جنيه إسترليني (2.7 مليار دولار) حتى عام 2025.
الحقيقة أن دفع طائرة مقاتلة عبر مرحلة التطوير أمر، بينما الوصول بها إلى مرحلة الإنتاج أمر مغاير تماماً، وسيتطلب من بريطانيا أموالاً نقدية غير متوافرة لديها حالياً. ويقدر بن موريز المحلل لدى مؤسسة «اي إتش إس ماركت» أن المملكة المتحدة لديها حوالي 4 مليارات دولار من النفقات الدفاعية غير المخصصة للعقد المقبل. ويستطيع هذا المبلغ من الناحية النظرية تغطية الاستثمار الأولي في مشروع «تيمبست»، بجانب استبدال الطائرات العسكرية المتهالكة.
إلا أن هذا لا يتضمن عناصر أخرى دفاعية تتعلق بالطيران الموجودة على قائمة أماني ما بعد البريكست. ماذا لو أن المملكة المتحدة انسحبت بالفعل من مشروع القمر الصناعي «غاليليو» التابع للاتحاد الأوروبي ومضت في تهديدها ببناء نظام ملاحي منافس؟ سيكلف ذلك البلاد من 3 إلى 5 مليارات جنيه إسترليني إضافية.
وبالطبع تبدو بعض الأمور التي جرى تخصيص أموال لها أكثر قيمة عن غيرها. وهناك ضغوط سياسية لضخ مزيد من الأموال في صناعة الطيران في وقت يلوح البريكست في الأفق. المعروف أن هذه صناعة عالية القيمة تضم تحت مظلتها عشرات الآلاف من عمال التصنيع المهرة، لكن الانسحاب من الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة يحمل مخاطرة تجميد مشاركة المملكة المتحدة في مشروعات مستقبلية. من ناحيتها هددت شركة إير باص التي يوجد مقرها بمدينة تولوز مؤخراً بالانسحاب من بريطانيا، في إطار سيناريو انفصال الأخيرة عن الاتحاد الأوروبي دونما اتفاق. كما أبرمت شراكة مع شركة داسو للطيران حول «عناصر عسكرية - قتالية محمولة جواً».
وهناك أسئلة أخرى تتعلق بالمكانة وأمن الإمداد. جدير بالذكر أن شركة «بي إيه إي سيستمز» التي تعتبر أبرز شركات صناعة الطائرات النفاثة في بريطانيا بدأت في إلغاء آلاف الوظائف لديها بعد تراجع في الطلب على طائرات تايفون. وفي الوقت الذي تعتبر «بي إيه إي سيستمز» من كبرى جهات الإمداد المتعلقة بطائرة إف - 35 الأميركية، فإنها مسؤولة عن 15 في المائة فقط من قيمة كل طائرة يجري بناؤها.
إلا أن الرؤية الحالمة التي تحمل الحنين لأيام الماضي عندما كانت طائرات سوبرمارين سبتفاير البريطانية تملأ السماء لا تتواءم مع الواقع المالي. وبالتأكيد فإنه إذا ما اضطرت الحكومة إلى رفع الضرائب لتمويل الإنفاق الحكومي لن يرى البريطانيون في ذلك نتيجة إيجابية مترتبة على البريكست.
أما المفارقة المضحكة فتكمن في أنه في وقت سابق من العام كان من المفترض أن بريطانيا تتحرك نحو التحول إلى صورة أخرى من بلجيكا لكن بسلاح نووي، لكن على الأقل الاقتصاد البلجيكي من المتوقع له النمو بمعدل أسرع عن اقتصاد المملكة المتحدة هذا العام. وتبدو تيمبست مكاناً غير مناسب على الإطلاق للسعي للاختباء داخله كملاذ من عاصفة البريكست.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني