الإنفاق الحقيقي لـ«الناتو» في الفضاء الإلكتروني
حسبما شاهدنا مجدداً خلال قمة حلف شمال الأطلسي التي عقدت الأسبوع الماضي، فقد كان جل اهتمام وتركيز الرئيس الأميركي دونالد ترمب منصباً على عدم التزام الدول الأعضاء بتعهداتهم رفع معدلات الإنفاق الدفاعية. وهو محق في ذلك؛ لأن الولايات المتحدة تتحمل نسبة كبيرة من إجمالي نفقات الحلف الدفاعية، على الرغم من تعافي اقتصادات غالبية الحلفاء. بيد أن التخفي خلف الجدل المثار بشأن النسب المئوية المفترض إنفاقها لأغراض عسكرية هو الأهم والأدق.
فالقضية الأكثر إلحاحاً أمام التحالف اليوم، هي قضية الأمن المعلوماتي الإلكتروني. والأهم هو أنه من غير المرجح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيختار عبور حدود «الناتو» بالدبابات والمدرعات والطائرات؛ لكنه أظهر مراراً وتكراراً رغبته في شن الهجمات من خلال الإنترنت.
والأسبوع الماضي، أكدت الحكومة الأوكرانية أن قراصنة الإنترنت (الهاكرز) المدعومين من الكرملين، قد استهدفوا البنى الأساسية لمحطات تحلية المياه. وبعد ذلك بأيام حدّدت هيئة المدعي العام روبرت مولر أسماء 12 ضابطاً استخباراتياً روسياً متورطين في عملية القرصنة، التي استهدفت «اللجنة الوطنية الديمقراطية». وفي بداية العام الحالي، نشرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تحذيراً مفصلاً مشتركاً، بشأن المساعي الفنية الروسية للحصول على موطئ قدم وسط البنية الأساسية للفضاء الإلكتروني الغربي.
وهنا يثار التساؤل: ماذا ينبغي على التحالف فعله لمواجهة موسكو؟
على عكس الدفاع التقليدي ضد التهديدات النشطة، مثل الصواريخ والغواصات، فإن الدفاع في مواجهة تهديدات الإنترنت يجب ألا يحسب بالدولار أو السنت؛ بل بالأفعال. فهناك أربعة محاور أساسية لأمن الإنترنت التي يتحتم على أعضاء «الناتو» زيادة المساهمة فيها، من دون الحاجة إلى وضع أياديهم في جيوبهم كثيراً.
المحور الأول هو تبادل المعلومات بشأن التهديدات. يتعين أن يكون لكل عضو في «الناتو» منظور بشأن التهديدات الإلكترونية المحدقة به؛ لكن في أغلب الأحوال فإن طبيعة التهديد لا تختلف كثيراً من دولة لأخرى. لكن ما تقوض الوعي المشترك هي العوائق التي تضعها كل دولة بشأن مشاركتها في عملية الدفاع. فقد تعهد التحالف العام الماضي بإنفاق أكثر من 3 مليارات دولار أميركي لحماية نفسه من القرصنة؛ لكن الرقم الفعلي الذي أنفق على الدفاع كان 100 مليون دولار؛ لكن مركز «الناتو» للدفاع السيبراني (الإنترنت) ومقره تالنين بإستونيا، يؤدي عملاً جيداً؛ لكنه يركز جل جهوده على السياسات والروتين الحكومي، لا على الناحية العملية.
فبدمج المصادر الاستخباراتية المعلوماتية بكل دولة من دول الحلف، سيتمكن «الناتو» من وضع النقاط على الحروف؛ ليرسم صورة مشتركة للتهديدات الإرهابية العالمية غير الموجودة اليوم. وهنا يستطيع «الناتو» الحصول على صفحة من «كتاب اللعب» الخاص بالقطاع المالي الأميركي. فرغم أن لكل بنك أميركي كبير جهازه الاستخباراتي الخاص، فإن جميع البنوك تشترك في جهاز استخباراتي مالي واحد، لتبادل المعلومات والتحليلات، وقد أنشئ الجهاز بمقتضى القانون الصادر بمرسوم رئاسي عام 1998. وبتبادل المعلومات الاستخباراتية بين البنوك عن طريق جهاز واحد يحوي معلومات متنوعة، فقد بات القطاع المصرفي الأميركي أقوى.
ثانياً، على التحالف أن يأخذ زمام المبادرة عندما يتعلق الأمر بتهديدات عالمية لأمن الفضاء الإلكتروني. وقد ساهم «الناتو» بدرجة كبيرة في صياغة «دليل تالين» الذي اشتمل على أدق التحليلات حتى اليوم عن مدى تطابق القوانين السارية اليوم، مع أمن الفضاء الإلكتروني في الواقع. غير أن المساهمة الفردية لكل دولة على حدة أمر لا غنى عنه للوصول إلى حالة إجماع.
بالنسبة للمبتدئين، ينبغي على «الناتو» صياغة تعريف دقيق لمصطلح «استخدام القوة» في الفضاء الإلكتروني، والأهم ما يجب على الدول توقعه في حال الوصول إلى هذه المرحلة. ولهذا الأمر أهمية خاصة؛ نظراً لأن اتفاقية «الناتو» تشتمل على تعريفات خاصة بشأن تعريف الاعتداء التقليدي الذي يرتقي لمستوى الفقرة الخامسة التي تحدد الدفاع المشترك، ولذلك ينبغي على الدول الأعضاء خطة طوارئ لمواجهة أي اعتداء محتمل.
ثالثاً، على الحلف العمل للحصول على مساهمات من كافة أعضائه، لتأسيس نظام لردع القرصنة الإلكترونية. وقد دعا سكرتير عام الحلف، الجنرال جينز ستوهنبرغ، إلى ضرورة تفعيل المادة الخامسة من قوانين الاتحاد، في حال تعرض أي من دول الحلف لاعتداء إلكتروني. أخيراً، على جميع أعضاء حلف «الناتو» حشد قواتهم للسير قدماً في إجراءات مواجهة الإرهاب، والبحث في التهديدات الإرهابية، ودراسة نقاط الضعف، وتنمية القدرات الحالية، وتكثيف التعاون مع الدول التي كانت يوماً ما عضواً في الاتحاد السوفياتي، مثل إستونيا، التي تعتبر متقدمة في هذا المجال.ولذلك، إن كان «الناتو» جاداً بشأن أمن الفضاء الإلكتروني، فلن تكون زيادة الموازنة وحدها كافية؛ حيث يتعين على الدول الأعضاء التعاون والعمل سوياً، وإلا ستجعلهم روسيا يدفعون الثمن.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني