فلسفة التسليح في القوات المسلحة المصرية
يعد التسليح أحد أهم عناصر القوات المسلحة في أي دولة، بل إنه العامل الأساسي والرئيسي في تحديد قوتها العسكرية. يقسم التسليح علي مستوي الفكر العسكري في العالم إلي تسليح نووي، وتسليح تقليدي. فيما يخص الأسلحة التقليدية، فإن القوات المسلحة المصرية خاضت، منذ سنوات عديدة، معارك للتسليح، لعل أهمها، في العصر الحديث، استعانة محمد علي بالضباط الأجانب في جيش نابليون بونابرت، لتصنيع المدافع في المصانع المصرية، إضافة إلي إنشاء الترسانة الحربية بالقاهرة، التي تم افتتاحها في عام 1834، إذ أنشأ مصنعا للبارود، علاوة علي مصنع المدافع.
ظهر أول فكر مصري لتسليح القوات المسلحة خلال حرب فلسطين عام 48، بعد واقعة الأسلحة الفاسدة. إلا أن معارضة جيش الاحتلال الإنجليزي لزيادة عدد الجيش المصري، أو تطوير أسلحته، حالت دون تطوير الجيش المصري. إلا أنه بنجاح ثورة يوليو 52، التي نص أحد أهدافها الستة، علي تأسيس جيش وطني، بدأ اتخاذ خطوات أولية لتسليح الجيش المصري، وطلب الرئيس عبدالناصر، بالفعل، أن يتم تسليح الجيش المصري بأسلحة متطورة، إلا أن الرفض جاءه باتا وقاطعا من الغرب وأمريكا، فاتجه إلي الكتلة الشرقية، وكانت صفقة الأسلحة التشيكية أولي خطوات تطوير التسليح المصري. والحقيقة أن تلك الصفقة التشيكية لم تكن قائمة علي أساس علمي مدروس، كما هو متبع في مثل تلك الصفقات حول العالم، وإنما كانت صفقة سياسية بالأساس.
بعد العدوان الثلاثي في 1956، بدأت القوات المسلحة المصرية اتخاذ خطوات جادة نحو بناء جيش حديث، أساسه التسليح القوي، المتطور. وبدا جليا، بعد حرب السويس، أن مستقبل تسليح الجيش المصري سيعتمد علي ترسانة الأسلحة السوفيتية. وجاءت حرب اليمن لتشارك فيها القوات المسلحة المصرية، ويتجه مفهوم تسليح الجيش المصري إلي تلبية مطالب نوعية القتال في الأراضي الجبلية، والاهتمام بالنواحي اللوجيستية.
ثم كانت نكسة 67 التي دفعت الإدارة المصرية لإدراك ضرورة إعادة هيكلة القوات المسلحة المصرية. فوضعت خطة تسليح جديدة، كانت أولويتها تحقيق مطالب القوات المسلحة في تعزيز قدرتها الدفاعية، لمنع العدو الإسرائيلي من عبور قناة السويس، وتهديد القاهرة. وما إن استقرت الأوضاع الدفاعية للجيش المصري غرب القناة، حتي بدأ التخطيط للعملية الهجومية لتحرير سيناء، وتحطيم خط بارليف "المنيع".
وتحقق لمصر نصر أكتوبر العظيم، وتم توقيع اتفاقية السلام في كامب ديفيد، التي بمقتضاها قدمت الولايات المتحدة الأمريكية المعونة العسكرية لكل من مصر وإسرائيل، كمكافأة لهما علي توقيع الاتفاق، ولضمان استمرار السلام بينهما. فشرعت القوات المسلحة المصرية في إعادة تنظيم قواتها علي أسس علمية، وبالاستفادة من الخبرة المكتسبة في حرب أكتوبر. فأصبح المجلس الأعلي للقوات المسلحة المصرية مسئولا بواسطة هيئة التسليح عن وضع استراتيجية تسليح القوات المسلحة، والتي يتم تنفيذها خلال فترة زمنية محددة، تختلف من دولة إلي أخري، وفقا لعوامل عدة. إلا أن هناك ضوابط حاكمة وثابتة عند تحديد مطالب واحتياجات القوات المسلحة من الأسلحة والمعدات، تتلخص فيما يآتي:
1- تحقيق مطالب الدوائر الخمس للأمن القومي المصري، وهي الدائرة العربية، والدائرة الإفريقية، ودائرة حوض نهر النيل، ودائرة حوض البحر الأحمر، وأخيرا دائرة حوض البحر المتوسط.
2- تحقيق تنفيذ الأعمال القتالية لتأمين الدوائر السابقة، وفقا للمتغيرات السياسية في المنطقة. ومثال ذلك، بعد تغير الأوضاع الأمنية في اليمن، أصبح من الصعب الاعتماد علي أراضيها وموانئها لتحقيق التأمين اللوجيستي للقوات المسلحة المصرية، التي قد تلجأ للعمل علي تأمين مضيق باب المندب، مثلما حدث من قبل، في أثناء حرب أكتوبر، عندما قامت القوات المسلحة المصرية، بإغلاقه أمام الملاحة الإسرائيلية، وبالتالي إغلاق مطار إيلات تماما، وهو ما نفذته القوات المصرية بالاعتماد علي الدعم اللوجيستي الذي قدمته اليمن.
3- دراسة موقف الدول الصديقة، والحليفة، في المنطقة، والتحسب لأية متغيرات في أوضاعها السياسية أو الأمنية، والتي من شأنها تعديل مطالب التسليح المصري، تماما مثلما حدث بعد سقوط القذافي، وتغير الأوضاع في ليبيا، إذ أصبحت الجبهة الغربية المصرية في حاجة إلي أنواع جديدة من الأسلحة والمعدات لتأمينها.
4- محاولة تنويع مصادر التسليح لتفادي وقوع القوات المسلحة المصرية تحت رحمة دول معينة، لتمنحها أو تمنعها، خاصة في أعمال الصيانة الدورية، والتطوير.
5- التركيز علي نوعية الأسلحة والمعدات المناسبة لثقافة ونوعية الجندي المصري، خاصة في التشغيل والصيانة.
6- التركيز علي توفير قطع الغيار اللازمة لأعمال الصيانة، مع الوضع في الحسبان حالات حدوث نزاعات مسلحة في المنطقة، ووجود المخزون الكافي لأيام العملية العسكرية في حدود 15-17 يوم قتال.
7- اشتراك قطاع الصناعات الحربية، والهيئة العربية للتصنيع في توفير بعض الأسلحة، أو قطع الغيار الممكن إعادة تصنيعها، وهو ما حدث في عربات الجيب الحربية الأمريكية، وصواريخ سام 7، والمقذوفات المضادة للدبابات، والعربات المدرعة.
ويبقي تحقيق مطالب الأمن القومي المصري هو أهم هذه الضوابط، والمحدد الرئيسي لنوعية التسليح المطلوب لتأمين هذا الاتجاه، ونوعية الذخائر المستخدمة لتحقيق التدمير الكامل، إذا ما اقتضي الأمر، وكذلك قدرته علي استيعاب التكنولوجيا المتقدمة حاليا.
ولتأمين دائرة حوض البحر الأحمر، يستلزم تأمين مضيق باب المندب وجود مقاتلات تصل إلي تلك المنطقة، ذهابا وإيابا، مستفيدة بخاصية إعادة التموين في الجو، وأن تكون خزانات وقودها ذات سعة عالية، تسمح لها بالوصول لأهدافها، والعودة مرة أخري، دون الحاجة إلي دعم لوجيستي في اليمن، في ظل تردي الأوضاع هناك. ومن هنا، كانت صفقة المقاتلات الرافال، وحاملة المروحيات الميسترال، القادرة علي تنفيذ مهامها القتالية، في منأي عن منطقة التمركز.
وبدراسة دائرة الأمن القومي لحوض البحر المتوسط، اتضح للمفكر العسكري الحاجة لزوارق سريعة بهدف تأمين منصات البترول في البحر المتوسط، وهو ما أدرج حاملة مروحيات أخري، من طراز الميسترال، إلي قائمة احتياجات القوات المسلحة المصرية، لقدرتها علي تنفيذ مهام قتالية كاملة، لتأمين عمل تلك المنصات، في أثناء استخراج الغاز، إضافة إلي تأمين خطوط الغاز المقرر مدها إلي جنوب أوروبا لاحقا.
وفي الاتجاه الغربي، من ناحية ليبيا، مثال آخر علي التسليح، وفقا لمقتضيات الأمن القومي المصري، حيث تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا، بعد سقوط نظام القذافي، وتمركز عناصر مختلفة من التنظيمات الإرهابية بها، سواء من عناصر "داعش" الليبيين، أو العناصر المتطرفة الهاربة من العراق، وأولئك الفارين من سوريا، إضافة إلي عناصر من جماعة "بوكو حرام"، وأخيرا أعداد هائلة من المتطرفين العائدين من أفغانستان، مستغلين حالة الفوضي، وعدم الاستقرار، والتنازع علي السلطات. فقد فرضت هذه الأوضاع علي المخطط العسكري المصري الالتزام بوجود مستمر علي خط الحدود، من خلال نقاط ثابتة، ودوريات للربط بين هذه النقاط، بالإضافة إلي احتياطيات كافية في العمق لربط جميع العناصر، من خلال شبكة اتصالات جيدة، ومؤمنة، مرتبطة بالمروحيات التي تساعد في دوريات تكثيف المراقبة، ودوريات تعقب العناصر الإرهابية، التي تسعي لاختراق خط الحدود. ويعني ذلك التركيز علي نوعيات خاصة من المركبات، والمروحيات، والاتصالات، التي استدعت قيام مصر بإنشاء قمر صناعي خاص للاتصالات، وأعمال الاستعلام والمراقبة.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني