السيناريوهات المحتملة للخلافات الأوروبية حول أزمة الهجرة
أثارت أزمة السفينة "أكواريوس" أخيرا، التي أنقذت أكثر من 600 مهاجر غير شرعي، بينهم أطفال وسيدات حوامل، موجة جديدة من الخلافات الأوروبية بشأن ملف الهجرة غير الشرعية واللجوء.فقد أبحرت هذه السفينة لمدةأسبوع في البحر المتوسط بعد رفض إيطاليا ومالطا استقبالها، رغم مطالبة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لهما بالسماح برسو السفينة، واستمرت الأزمة إلى أن وافقت إسبانيا على استقبالها.
جاء رفض روما لاستقبال السفينة في إطار الجهود التي اتخذها وزير الداخلية الإيطالي الجديد ماتيو سالفينى، الذي يرأس أيضاً حزب الرابطة المنتمى لأقصى اليمين لتنفيذ وعوده الانتخابية بوقف تدفق المهاجرين على البلاد، وكتب سالفينى على الفيسبوك: "مالطا لا تقبل أحداً، فرنسا ترد الناس على أعقابهم عند الحدود، إسبانيا تدافع عن حدودها بالسلاح، من الآن، فصاعداً ستبدأ إيطاليا أيضاً رفض تهريب البشر، وتقول لا لأعمال الهجرة غير المشروعة".
وألقت تلك الأزمة بظلالها على العلاقات الفرنسية- الإيطالية، فقد استدعت إيطاليا السفير الفرنسى بعد تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون التي انتقد فيها الموقف "المعيب وغير المسئول للحكومة الإيطالية"، لأنالقانون البحرى يرى أنه في حال وجود استغاثة من سفينة، فإن "الشاطئ الأقرب هو الذي يتحمل مسئولية الاستقبال".
على تلك الخلفية، تُطرح عدة تساؤلات، منها ما المخاوف الأوربية من الهجرة؟ كيف تتباين الرؤى الأوربية للقضية؟ وما أسباب تصاعد الخلافات الأوربية حول ملف الهجرة؟ ما السيناريوهات المتوقعة لمعالجة القضية؟:
أولاً- رؤى أوروبية متباينة:
تعانى أوروبا، لاسيما دول المواجهة في الجنوب (اليونان ومالطا وإيطاليا)، تزايد تدفق حركات الهجرة المختلطة، ويقصد بها سفراللاجئينوالمهاجرينجنبًا إلى جنب في محاولة لبلوغ البلد المقصود نفسه. وإذا كان المهاجرون غير الشرعيين أشخاصًا يغادرون بلدانهم الأصلية لأسباب معظمها اقتصادية خالصة، سعيًا وراء التحسين المادي لحياتهم، فإن هذا الأمر يختلف عن اللاجئين الذين لا يختارون مغادرة بلادهم بل يُضطرون إلى ذلك لدوافع سياسية وأمنية. وتشهد أوروبا انقساماً عميقاً في هذا الشأن ، حيث اتخذت مع تدفقات الهجرة الجديدة الكبيرة إلى دول الاتحاد الأوروبي، لاسيما بين عامى 2014 و2015، سياسات تقييدية ورقابية وتنظيمية صارمة لمكافحة الظاهرة. وظلت تلك السياسات تفتقد إلى التوحيد وتواجه عدة تناقضات وتطغى عليها الخلافات بين الشركاء الأوروبيين.
وبرز ذلك على وجه الخصوص في رفض بعض الدول لحل تقسيم المهاجرين واللاجئين بنظام الحصص بين دول الاتحاد.ويمكن التمييز في هذا الإطار بين تيارين أساسيين: الأول المناهض للهجرة، ويرى أن المهاجرين بمنزلة عبء اجتماعي واقتصادي، وينافسون المواطنين على فرص العمل لأنهم يقبلون بأجور منخفضة، كما يؤثرون سلباً فى المرافق والخدمات العامة، ويشكلون مصدراً للتهديدات الأمنية والثقافية. وترتفع اللهجة المتشددة تجاه الهجرة بشكل ملحوظ في دول شرق وجنوب أوربا، أما التيار الآخر المرحب بالهجرة، فيقبل بوجود المهاجرين، اتساقاً مع القيم الأوربية القائمة على الليبرالية واحترام حقوق الإنسان وتوفير الحماية للاجئين. يدل على ذلك خروج عدة مظاهرات لدعم المهاجرين وضد العنصرية في برشلونة وباريس وامستردام وجنيف وغيرها.
ثانياً- أسباب الخلافات الأوروبية:
تفسر الخلافات الأوربية حول ملف الهجرة بعدة عوامل منها يمكن طرحها على النحو الآتي:
1) ضخامة العبء الملقى على دول جنوب أوربا مثل، اليونان، ومالطا، وإيطاليا بسبب موقعها الجغرافي، فقد استقبلت إيطاليا في عامي 2015 و2016 أعداداً غير مسبوقة في تاريخها، مما أدى للشعور بتخلي أوروبا عنها.
2) صعود الأحزاب اليمينية المعادية للهجرة التي تنتهج سياسات متشددة، بهدف كسب مزيد من أصوات الناخبين، ولو بالتعارض مع المبادئ والقيم والأوروبية. ففي ألمانيا، نجح “حزب البديل من أجل ألمانيا” في الحصول على 12,6 % من أصوات الناخبين في نتائج الانتخابات التشريعية 2017، ليأتي في المرتبة الثالثة، ويصبح أول حزب ينتمي إلى أقصى اليمين يحصل على تمثيل في البرلمان في تاريخ ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية. وتتعرض ميركل حالياً لاحتمال سقوط حكومتها الائتلافية بسبب اختلافها مع وزير الداخلية هورست زيهوفر بسبب ملف الهجرة.
وفي فرنسا، خاض "ﺤﺯﺏ ﺍﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻟﻭﻁﻨﻴﺔ" الانتخابات الرئاسية،وحصل على 33,9% من الأصوات في الدورة الثانية. وفي النمسا، وصل حزب "الحرية " الذي تأسس على أيدي نازيين سابقين للسلطة وشارك في الائتلاف الحاكم بعد حصوله على أكثر من 26% من الأصوات في انتخابات 2017. وفي بلغاريا أيضا، شاركت الأحزاب اليمنية في تشكيل الحكومة لأول مرة عام 2017. أما إيطاليا، فقد تحالف حزب الرابطة وحركة خمس نجوم معاً لتشكيل الحكومة الإيطالية في 2018،فيما فاز حزب فيدس المعادى للمهاجرين في المجر برئاسة فيكتور أوربانبفترة ثالثة على التوالي، وذلك بعد تمكنه من الحفاظ على ثلثي المقاعد بالانتخابات البرلمانية2018.
3) ارتفاع معدلات البطالةفي دول أوروبا، حيث صرح رئيس البنك المركزي الأوروبي “ماريو دراجى” بأن أوروبا تحتاج إلى معالجة ارتفاع البطالة بين الشباب لحماية الديمقراطية والتماسك الاجتماعى"، ويبلغ معدل البطالة تقريباً 9%، وفقا لبيانات مكتب الإحصاءات التابع للاتحاد الأوروبى "يوروستات".
4) تصاعد المخاوف الأمنية من الإرهاب، حيث أظهرت التحقيقات في أغلب الهجمات الإرهابية التي شهدتها أوروبا أخيراً أن مرتكبيها أغلبهم من المهاجرين الذين تسللوا لأوروبا، أو مهاجرون مقيمون منذ فترة طويلة، مما يشير لمشكلة عدم اندماج المهاجرين في المجتمعات الأوروبية.
ثالثاً- السيناريوهات المستقبلية:
1) صياغة سياسة أوربية موحدة: وفق هذا السيناريو، فإن قضية الهجرة من المجالات التي تخص كل دولة أوروبية على حدة وجزء من سيادتها. إلا أنه مع دخول اتفاقية ماستريخت المؤسسة للاتحاد الأوروبي حيز التطبيق، أصبحت الهجرة أيضاً من اختصاص النظام الجماعي الأوروبي بتعزيز الإطار التعاوني والعمل المشترك المرتكز على عدد من الاتفاقات، مثلالميثاق الأوروبي بشأن الهجرة واللجوء 2008، واتفاقية دبلن التي تهدف إلى تحديد البلد العضو في الاتحاد الأوروبي الذي دخل منه المهاجر، فضلاً عن الحيلولة دون تقديمه طلبات لجوء إلى أكثر من بلد أوروبي ومنع تنقله باستمرار من بلد إلى آخر وذلك من خلال إدراج بصمات طالب اللجوء في بنك للمعلوماتوتتم إعادة أي شخص إلى الدولة الأولى التي لديه فيها بصمات حتى ولو كانت اليونان.وهذا السيناريو الأكثر تفاؤلاً لكن من المستبعد حدوثه نظراً للتفاوتات الكبيرة بين الدول الأوربية في عدد الوافدين إليها، وتنامى الخلافات بينهما كما سبقت الإشارة.
1-استمرار الوضع الراهن، حيث يقضي هذا السيناريو باستمرار الخلاف بشأن توزيع المهاجرين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي، وتبنى نظام الحصص الدائم لكل دولة، حيث تتصدر ألمانيا والسويد الدول المؤيدة له، لكن العديد من الدول في وسط وشرق أوروبا تعارض ذلك. وبالفعل تم عام 2015، نقل مهاجرين غير شرعيين من دول أمامية مثل اليونان وإيطاليا إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبى، بموجب نظام الحصص، إلا أن المجر وبولندا والتشيك رفضت استقبال أي أعداد ولجأت للقضاء. لكنمحكمة العدل الأوروبية رفضت الشكوى القضائية التي قدمتها تلك الدول. ويستبعد هذا السيناريو في ضوء زيادة انتقادات منظمات حقوق الإنسان لمراكز احتجاز المهاجرين في أوروبا والمعاملة غير اللائقة لهم في بعضها، كما أنه ينال من التضامن الأوروبي.
2-عقد ترتيبات مشتركة مع الدول المصدرة للمهاجرين، حيث يشير هذا السيناريو إلى تسارع جهود الدول الأوربية سواء منفردة أو من خلال مؤسسات الاتحاد الأوروبي باتخاذ عدة إجراءات من شأنها إبقاء المهاجرين في دولهم أو تسهيل إجراءات الترحيل والعودة إذا ما وصلوا فعلياً لأوروبا، وتعزيز التعاون وتبادل المعلومات، وتقديم المساعدات المالية، رفع كفاءة مراقبة السواحل.
ويعد هذا السيناريو هو الأرجح ، ويدل على ذلك عدة مؤشرات منها :
· عقد الاتفاقيات الثنائية مع دول شمال إفريقيا، مثل ليبيا(حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج)، علاوة على الاتفاق مع تركيا على إعادة جميع المهاجرين الجدد الذين يصلون إلى اليونان بدءا من20 مارس 2016 إلى تركيا على أن يوطن في الاتحاد الأوروبي مهاجر سوري واحد يقيم في تركيا ولم يحاول السفر بشكل غير مشروع مقابل كل مهاجر سوري يعاد إليها، وتقديم مساعدات مالية لتركيا وتسريع الإجراءات الخاصة بالسماح للمواطنين الأتراك بالسفر إلى الدول الأوروبية دون تأشيرة، وبالفعل أسفر تنفيذ الاتفاق عن الحد من معدلات الهجرة من خلال مسار البلقان.
· عقد المؤتمرات المشتركة مع دول المتوسط، مثل قمة فاليتا في نوفمبر 2015 وقد حظيت بأهمية كبيرة فقد جمعت أوروبا مع الدول الإفريقية التي تمثل مصدرا ومعبرا للمهاجرين إلى أوروبا وذلك من خلال تعهدات أوروبية بالمساعدة في علاج الأسباب الجذرية لظاهرة الهجرة من خلال آلية الصندوق الأوروبى لفاليتا بتمويل بلغ 1,8 مليار يورو.
· إعلان رئيس الحكومة الايطالية جوزيبي كونتى والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، عقب لقائهما في 15 يونيو 2018 بعد أزمة السفينة إكواريوس، تأييدهما إقامة مراكز أوروبية في دول انطلاق المهاجرين لتسريع عمليات طلب اللجوء دون السفر لأوروبا.
خلاصة القول: إن مسألة الهجرة ستظل منغصاً لأوروبا في الأمد القريب، ولن تُعالج إلا بجهود أوربية جادة مساندة لتحقيق الاستقرار السياسي في الدول المصدرة للهجرة. ولعل الاجتماع القادم للمجلس الأوروبي في 28 و29 يونيو 2018 المخصص بشكل أساسى لمشكلة المهاجرين يقترح آلية جديدة لإصلاح نظام اللجوء.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني