تحرير أفريقيا من العبودية الغربية
ليون نينينزا ليون نينينزا

تحرير أفريقيا من العبودية الغربية

تكثف موسكو من حضورها ومشاريعها الاقتصادية في إفريقيا. ويراقب الغرب ظهور الروس في مستعمراته ولكن لا يمكنه فعل شيء حيال ذلك.

بعد جولة أفريقية قام بها وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" في آذار، ذكرت وسائل الإعلام الغربية بشكل غير مريح، أن موسكو لن تعود فقط، بل «ستسيطر» أيضاً على مناطق جديدة من إفريقيا. ويقول الاقتصادي ورجل الأعمال الإيطالي "جيانكارلو إيليا فالوري" إن روسيا تعمل بشكل مختلف تماماً عن الدول الغربية.

وكتب فالوري: "تبحث الدول الغربية عن السلع والمواد الضرورية لبقائها التكنولوجي والصناعي، في حين تريد روسيا دعم إفريقيا من أجل حمايتها من نفوذ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والاستفادة منها لتعزيز تنمية روسيا في مستقبلها كقوة عالمية واقتصادية واستراتيجية".

ويشير الخبير إلى أن روسيا وإفريقيا تمثلان جزءا من الموارد الطبيعية في العالم. لذلك تحتاج موسكو إلى تعزيز القوة الجيوسياسية لأفريقيا بحيث لا تستطيع دول أخرى استغلال مواردها ومعادنها من الدول الإفريقية الصديقة بأسعار منخفضة.

صناعة الدفاع وصناعة النفط والغاز

أين يذهب تأثير نفوذ روسيا في إفريقيا؟ زار لافروف أنغولا وزيمبابوي وموزمبيق وناميبيا وإثيوبيا كجزء من جولته. ولكن لا يمكن التحدث عن الغزو هنا، لأن هذه الدول كانت في علاقة وثيقة مع الاتحاد السوفيتي. بل الأمر يتعلق بعودة المواقف المفقودة.

البطاقات الرابحة الرئيسية في موسكو هي تجارة الأسلحة الدفاعية، فهي تمثل 35% من مشتريات القار السمراء. تستثمر شركاتنا في زيمبابوي في التعدين البلاتيني، وفي إثيوبيا وموزمبيق وافقت روساتوم على التنمية السليمة للطاقة الذرية. وتتميز روساتوم عن الشركات الفرنسية، بمفاعلات نووية أرخص وأكثر موثوقية.

ومجال آخر ذو أولوية بالنسبة للأعمال الروسية هو الطاقة، حيث تعتزم شركة "غازبروم نيفت" وشركة "رزونفت" تمويل مشاريع استكشاف النفط والغاز، ليس فقط في موزمبيق، بل أيضاً في السودان المؤيد للغرب والسنغال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وناميبيا. وإن إلغاء الديون الروسية التي تبلغ 20 مليار دولار، يجب أن تكون بمثابة حافز إضافي للتعاون بين الدول الإفريقية والشركات المحلية.

أفريقيا تجد حبل النجاة

الخوف الأكبر من المنافسين يدفع إلى ظهور الجيش الروسي، في جمهورية إفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، التي مازال الغرب ينظر فيها بمنظور الاستعمار. وكان أحد أسباب القلق هو ذكرى انتخاب "فاوستن أرتشنج تودرا"، كرئيس لجمهورية إفريقيا الوسطى في أواخر آذار. 

حيث وصل برفقة شركة أمنية تتألف من أشخاص من ذوي المظهر الأوروبي يرتدون زياً لا يحمل أي علامات. وعادةً ما تشارك الدوريات الرواندية، وهي بقايا قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى، في ضمان أمن مثل هذه الأحداث، ولكن تم استبدالها هذه المرة بأشخاص آخرين. ولتبديد الشكوك قال الرئيس "تودرا" أن هناك مفرزة من القوات الخاصة الروسية لتعزيز أمن الرئيس. فالجيش الروسي يمتلك أيضاً إمكانية الوصول دون عوائق إلى حركات تودرا والقيادات البارزة في حكومته. وتم إنشاء وظيفة خاصة في المكتب الرئاسي وهي "مدير الأمن" التي يشغلها ضابط من روسيا. ويُطلق على الفرنسيين اسم الوسيط بين دول الاتحاد السوفيتي وروسيا في مسائل الدفاع والاقتصاد.

وفي تشرين الأول من العام الماضي، خلال زيارة تودرا في سوتشي، وافقت بانغي وموسكو على إعادة تسليح جيش جمهورية إفريقيا الوسطى. وطلب رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى إرسال 1500 جندي بأسلحة صغيرة وقنابل يدوية وعربات مدرعة. ويراقب الفرنسيون بحماس الجيش الروسي الذي يعبر الحواجز الأمريكية التي سلمتها الولايات المتحدة لجمهورية إفريقيا الوسطى في إطار المساعدات العسكرية. ولكن على عكس الجيش الفرنسي فإن الجيش الروسي أكثر جدارة بالثقة. وفي الوقت الحالي تتوق وسائل الإعلام الغربية مثل قناة "بي بي سي" التلفزيونية إلى تشويه الوجود الروسي في جمهورية إفريقيا الوسطى، معتقدة أن روسيا تتواجد من أجل الماس واليورانيوم والذهب، ولن تؤدي إلا إلى تصعيد النزاع. 

وقعت وزارة الدفاع الروسية وموزمبيق اتفاقاً يمنح السفن الروسية حق دخول موانئ موزمبيق والتزود بالوقود والخدمات. ووقع البلدان أيضاً اتفاقاً في الشتاء من أجل التعاون العسكري الفني، يشمل إمدادات الأسلحة والمعدات بالإضافة لتدريب الجيش الموزمبيقي.

يتم الحفاظ على الاتصالات العسكرية الوثيقة مع جمهورية الكونغو الديمقراطية. ففي شهر أيار من هذا العام، تم عقد اتفاقية حول التعاون العسكري، مما يوفر الوجود العسكري الروسي وتدريب الأفراد في الكونغو. وتتم الآن مرحلة التفاوض للتعاون مع جيبوتي ومع جنوب السودان الغني بالنفط. ويحتاج جنوب السودان إلى مدفعية ثقيلة ومركبات مدرعة ويمكن لجيبوتي فتح منفذ إلى الميناء والمطار مقابل رسوم مناسبة. ويوجد في هذه الدولة الواقعة في شرق إفريقيا قواعد عسكرية للولايات المتحدة وفرنسا، ومؤخراً الصين.

آيفون من معدن إفريقي

في الختام، أود أن أسترعي الانتباه إلى الموارد الطبيعية للقارة السوداء. فإن إفريقيا لديها احتياطات ضخمة من المعادن الهامة، بما في ذلك الكروم والماس والفوسفور واليورانيوم والنحاس والزئبق والغاز وأكثر من ذلك. وينبغي ذكر معدن تانتالوم، الذي يتم استخدامه لإنتاج أهم الأشياء مثل الهواتف وكاميرات الفيديو والكاميرات الرقمية والمعدات الإلكترونية. والدول الثلاث الأكثر إنتاجاً لمعدن التانتالوم هي رواندا والكونغو ونيجيريا. كما يوجد في الموزمبيق رواسب كبيرة من خامات التانتالوم. 

وزار لافروف رواندا في وقت سابق من هذا الشهر، حيث كانت الموضوعات الرئيسية هي التعاون في مجال المعادن والطاقة. وقد يصبح تعزيز حضور موسكو في جمهورية الكونغو وموزامبيق ورواندا مطالبة جادة بالسيطرة على إنتاج الهواتف الذكية الحديثة. 

لا تعود روسيا فقط إلى مناطق حضورها التقليدية، بل تواجه أيضاً ضمن ميدان النفوذ الأجنبي، حيث تعبت الحكومات المحلية من سيطرة الفرنسيين والأمريكيين، وتقوم موسكو بهجوم متزامن على عدة جبهات، حيث تبرم العقود في مجال الطاقة والصناعات النووية واستخراج المعادن النادرة. يتم توسيع طلبات الدفاع التي تحتاجها الدول الإفريقية.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني