الحقائق تفند مزاعم «فخ الديون» الصيني
تحدثت وسائل الإعلام الغربية بشكل مكثف خلال الفترة الأخيرة، عن ما أسمته بـ "فخ الديون" الصيني للبلدان النامية. وفي ذات السياق، قال رئيس المالديف السابق محمد نشيد خلال تصريح أدلى به مؤخرا: "الصين قد صنعت فخ الديون للمالديف، وهي بصدد إستخدام الديون كأداة للتحكم في المالديف. وأن المشاريع التي تنجزها الصين في المالديف ليست عطاءات وغير شفافة". ردّا على هذا، إعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ، في مؤتمر صحفي دوري عقد في 13 يونيو الجاري، أن هذه التصريحات هي مجرد هراء. وقال إن التعاون بين الصين والمالديف يلبي حاجيات التنمية في المالديف، ولايرتبط بأي شروط سياسية، ناهيك عن فخ الديون.
"فخ الديون"، الإسطوانة المشروخة
صدرت موجة الإتهامات من وسائل الإعلام الغربية للصين، بعد تقرير صدر حديثا عن جامعةهارفارد. وذكر التقرير أن الصين في الوقت الذي تعمل فيه على دفع تنفيذ مبادرة الحزام والطريق، تقدم للدول النامية قروضا لا قدرة للأخيرة على سدادها، وهو ما أثار حملة إتهامات في وسائل الإعلام الغربية للصين بممارسة "فخ الديون".
في هذا الصدد، يرى وي جيان قوه، نائب مدير مركز التبادل الاقتصادي الصيني الدولي ونائب وزير التجارة السابق، أن بعض الدول تشعر بالقلق إزاء مبادرة "الحزام والطريق". ويُرجع ذلك أساسًا إلى عدم فهم هذه الدول لمراحل تنفيذ المشاريع الصينية. ويضيف وي بأن عوامل القلق تعود إلى ﺛﻼﺛﺔ ﺟواﻧب: أولا، عدم شفافية مراحل المشاريع بمافيه الكفاية؛ ثانيا، مصادر تمويل المشاريع؛ ثالثا، كيفية ضمان فاعلية المشاريع، وطريقة سداد ديونها.
وأضاف وي جيان قوه قائلا بأن الدول الغربية، قد تعمّدت الترويج لمقولة "فخ الديون" كتجسيد لتصوراتها الخاطئة عن الصين منذ زمن طويل. مايعكس تمسك بعض الدول الغربية في النظر إلى الصين من منظور الحرب الباردة، الذي يعود إلى 40 سنة مضت. وفي الحقيقة، لقد بدأت الدول الغربية الحديث عن "فخ الديون" منذ سبعينات وثمانينيات القرن الماضي، عندما تم استخدام هذا المفهوم حول المساعدات الصينية لإفريقيا، وتم إلباس الصين قبعة "الاستعمار الجديد".
ثلاثة مبادئ لضمان القروض والمشاريع
ذكر بعض الباحثين من الولايات المتحدة، أن قروض مشاريع "الحزام والطريق" الصيني تنحرف في بعض الأحيان عن المعايير الدولية، وأن بعض القروض الممنوحة لبعض الدول قد تجاوزت قدراتها على السداد. وفي أوروبا ، أشار بعض الباحثين إلى أن الصين لاتطمح للاقتصاد والتجارة فحسب، بل تسعى أيضا للتأثير سياسيا.
ردّا على هذه الشكوك، أشار وى جيان قوه إلى إن تحديد وإمضاء مشاريع "الحزام والطريق" ، يخضع لـثلاثة مبادئ هامة، توفر ضمانات قوية لنجاعة المشاريع والإستثمار والقروض.
أولا، تولي الصين اهتماما كبيرا بطريقة اختيار المشاريع. حيث تحرص على التعاون مع الدول المعنية بالمشاريع، لتحقيق وضع مربح للجانبين والمصالح طويلة المدى. إلى جانب، الأخذ في عين الإعتبار بالقدرات الشاملة لأسواق الدول المعنية بالمشاريع، للحكم على جدْواها.
ثانيا ، وقعت الصين والبلدان المتعاونة في المشاريع، اتفاقيات ثنائية لحماية الاستثمار، وقدّمت ضمانات حكومية لقروض المشاريع الاستثمارية، لتجنب الخسائر الناجمة عن النفقات الإدارية المفرطة.
ثالثًا، تلتزم الصين بتعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، والبحث عن فرص للاستثمار المشترك. حيث لن تسمح ممارسات الاستثمار المالي الدولي بتهدئة مشاكل النقص النقدي فحسب، بل ستقلل كذلك من مخاطر الاستثمار.
وقال وي جيان قوه إن النقاط الثلاث المذكورة أعلاه تعكس التزام الصين ومسؤوليتها على تطوير التعاون مع العالم في تنفيذ مبادرة" الحزام والطريق". وقد ظل الجانب الصيني يؤكد دائما على دفع التعاون في مشاريع البنية التحتية ومشاريع معيشة الشعب على أساس الإحترام المتبادل والمعاملة المتساوية، وتحقيق الربح المشترك مع الدول ذات الصلة بالمشاريع.
مزيدا من الدول تطمح للتعاون الصادق مع الصين
بعد أن حققت مبادرة "الحزام والطريق" ثروة حقيقية في العديد من البلدان ، أعربت بعض الدول الأوروبية عن رغبتها في الإنضمام إلى المبادرة، بما في ذلك حتى الدول التي سبق لها أن تحدثت عن "فخ الديون" الصيني. وفي ذات الوقت، ومع تحسن العلاقات الصينية اليابانية، بدأت اليابان التي سبق لها أن شككت في "مبادرة الحزام والطريق" ، تقييم الفرص وعبرت عن رغبتها في الانضمام.
من جهة أخرى، لدى الدول التي قبلت القروض الصينية، آرائها الخاصة. مثلا، الفلبين التي تحدث تقرير هارفارد عن أنها قد تغرق في "في فخ الديون" الصيني، صرّح وزير ماليتها أنطونيو لانبينو برأي مناقض. حيث قال لوسائل الإعلام: "طالما أن العمل التحضيري يتم بشكل جيد ونحن مقتنعون بأن فوائد الاستثمار على الناس أكبر من تكلفة المشروع نفسه ، إلى جانب العمل الفني المناسب، فإن هذا لن يحدث".
ويرى وي جيان قوه بأن هناك المزيد من الدول التي ترغب في التعاون بإخلاص مع الصين. بالإضافة إلى ذلك ، هناك طلب قوي على مشاريع البنية التحتية على طول مبادرة "الحزام والطريق"، بفضل سوقها الضخم. إذ تشير إحصائيات بنك التنمية الآسيوي، إلى أن البنية التحتية في آسيا ستحتاج إلى استثمارات بـ 8 تريليون يوان ه بحلول عام 2025 . لذا فإن الإستثمارات الصينية، إلى جانب مساعدتها للدول المعنية على الإقلاع الإقتصادي، لن تكون هذه الإستثمارات مرفوقة بشروط سياسية.
وأكد وي جيان قوه على أن مبادرة "الحزام والطريق" لا تزال في حاجة إلى مواصلة الابتكار وإيجاد نماذج جديدة للتكيف مع الاحتياجات المتغيرة للوضع الدولي الحالي، من أجل معالجة المشاكل التي تحدث عنها الغرب، والمتعلقة بعدم الشفافية وغياب الضمانات. وقد يكون ذلك أبرز تحدّ تواجهه الصين خلال السنوات الخمس القادمة من تنفيذ مبادرة الحزام والطريق.