الروبوت صديق الفلاح؟
في وقت ترحب الدول الغنية بالسيارات والشاحنات والقوارب ذاتية القيادة في طرقها وممراتها المائية، يناضل العالم النامي للتعامل مع ثورة جديدة: المزارع الإلكترونية. ما كان ذات يوم يمثل المهنة الأكثر اعتماداً على الأيدي العاملة على مستوى العالم ربما تجري إدارتها قريباً عبر الهواتف الذكية. وربما يبدل هذا وجه الزراعة بأكملها على نحو يشبه التغيير الذي أدخلته الميكنة عليها القرن الماضي.
ومن شأن هذا التغيير التأثير في كيفية زراعة الطعام واستهلاكه في كل مكان على وجه الأرض. بيد أن التأثير الأكبر سيكون من نصيب الدول النامية، حيث تشكل زراعة الكفاف الجزء الأكبر من الأراضي المزروعة في وقت تتزايد فيه أعداد السكان. من جانبها، تقبل الصين، التي تضم 1.4 مليار نسمة، هذه التكنولوجيا في وقت مبكر وأكثر حماسة عن دول أخرى، وسيتعين عليها بالتأكيد مجابهة التحديات المترتبة على ذلك.
هذا الشهر، تطلق الصين برنامجاً رائداً يستمر سبع سنوات للزراعة الذاتية في إقليم جيانغسو. ومثلما الحال مع الجهود التي تبذلها الدولة بهدف تعزيز السيارات ذاتية القيادة والروبوتات وصور أخرى من التكنولوجيا، من المقرر أن يتولى البرنامج تجريب معدات وأساليب جديدة في محاولة لإصلاح ملايين المزارع الملوثة للبيئة وغير المنتجة داخل الصين. وقد يترتب على هذا الأمر فوائد كبرى.
جدير بالذكر أن الزراعة الآلية تعود إلى عام 2002 على الأقل عندما نجحت شركة «ديري آند كو» في طرح نظام توجيه يعتمد على آلية «جي بي إس» في التعامل مع المحاريث التابعة للشركة. ونجحت هذه التقنية الجديدة في حل مشكلة كانت قائمة وتمثلت في أنه عندما كانت المحاريث التقليدية تلقي البذور داخل حقل ما، كانت الصفوف تميل نحو التداخل، ما يتسبب في إهدار الأرض والوقود. أما النظام الجديد الذي أقرته «ديري آند كو» فقد نجح في توجيه المحراث للتحرك في خط مستقيم خلال عملية الزراعة، بجانب قدرته على «تذكر» مسارات المحاصيل خلال الحصاد. اليوم، يستخدم المزارعون نظام «جي بي إس» في تحديد المناطق التي تتباين فيها تركيبة التربة أو تعاني من الإصابة بآفات، ثم تخزين هذه البيانات داخل الكومبيوتر الموجود في المحراث للمعاونة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالزراعة والحصاد. وعلى نحو متزايد، يجري تكميل هذه الجهود اليوم بالاعتماد على طائرات دون طيار.
ومن بين النتائج التي ترتبت على هذا الأمر أن المهام التي سبق أن اعتمدت على أعين المزارعين وحدسهم، مثل الري ورش المبيدات، أصبح يجري تنفيذها أوتوماتيكياً اليوم. العام الماضي، أعلنت مجموعة داخل المملكة المتحدة نجاحها في زراعة ورعاية وحصد أول محصول كامل على مستوى العالم بالاستعانة بمعدات تعمل ذاتياً. ويشير أحد التقديرات إلى أن السوق العالمية لمثل هذه المعدات ربما تتجاوز 180 مليار دولار بحلول عام 2024.
من وجهة نظر الصين، يبدو هذا الأمر برمته واعداً، ذلك أنه بفضل تنامي الدخول أصبح الصينيون يأكلون اليوم كميات أكبر من كل شيء، بما في ذلك المنتجات الزراعية التي تتطلب موارد مكثفة. وتكشف الإحصاءات عن أن معدلات استهلاك الحليب ومنتجات الألبان ارتفعت بمقدار الضعف بين عامي 1995 و2010. إلا أن هذا النمو في الطلب يواجه بعض القيود طويلة الأمد المفروضة على جانب العرض على المدى الطويل. جدير بالذكر أن التوسع في المنطقة الحضرية زحف على ملايين الأفدنة من الأراضي الصالحة للزراعة، بينما يعاني ما يقرب من 20 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة المتبقية من مستوى خطير من التلوث. كما تعاني كثير من المناطق الريفية الصينية من التشرذم، وتكشف الأرقام عن أن الأسرة الصينية الواحدة تزرع في المتوسط 1.2 فدان فقط، وذلك في عام 2013. وبالتالي، فإن هذا الوضع يؤثر سلباً في مستوى الكفاءة.
وبمقدور الزراعة الذاتية المعاونة في حل جميع هذه المشكلات، وباستطاعتها تعزيز الإنتاجية والحد بدرجة بالغة من تكاليف إنتاج المواد الغذائية والتخفيف من حدة مشكلة التلوث المزمنة في المناطق الريفية التي تعانيها الصين عبر تقليص الحاجة إلى الأسمدة والمبيدات الحشرية. ويعتقد بعض الخبراء أن هذه التكنولوجيا ربما تقدم أفضل أداء لديها في المساحات الأصغر.
ومع هذا، فإنه في خضم كل هذا التفاؤل، تبقى ثمة مشكلات تلوح في الأفق على رأسها التهديد الذي تمثله هذه التقنية الجديدة على الوظائف. يذكر أن نسبة العاملين في القطاع الزراعي بالصين بين إجمالي قوة العمل تراجع بصورة حادة من 55 في المائة عام 1991 إلى 18 في المائة العام الماضي. ومع هذا، فإنه حتى مع هذا التراجع تبقى الحقيقة أن هذه النسبة الأخيرة تمثل 250 مليون نسمة من الممكن أن يتعرض كثيرون منهم للتشريد. ومع أن الزراعة الذاتية ستخلق فرص عمل في قطاعات أخرى، فإن هذا لن يخفف العبء عن كاهل المزارعين الذين سيتعين عليهم البحث عن عمل جديد. وسيتعين على الصين وضع خطة للتعامل مع هذا الأمر.
وتتمثل مشكلة أخرى في المهارات، ذلك أن العمال الزراعيين لا يملكون ما يكفي من مهارات للتعامل مع التكنولوجيا المتقدمة التي سرعان ما سيجدونها بين أيديهم. لذا، سيتعين على الحكومات تنظيم برامج للتدريب المهني تركز على كيفية التعامل مع الروبوتات والأنظمة الذكية.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني