واشنطن ترثي حقبة القطب الواحد
أعلن مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية والأوراسية "ويس ميتشل" أن روسيا والصين أعداء، ودول الاتحاد الأوروبي كمدينين للولايات المتحدة.
أوجز تقرير ويس ميتشل الخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية وحدد الأعداء والأصدقاء واعترف بأن العولمة قد فشلت.
مثل هذا الخطاب لا يُعتبر مجرد رأي لشخص مؤثر فقط. فقد تميز ويس ميتشل بمستوى عالٍ من الفوبيا الروسية.
وكان لفترة طويلة يرأس المركز التحليلي المتخصص في أوروبا الشرقية وأوراسيا، حيث تم تحويل كل المواد التحليلية إلى تصريحات حول الحاجة إلى كبح جماح روسيا في أوروبا. ويلائم خطابه الحالي أيضاً منطق المواجهة السياسية بين الأرض والبحر، وهو مفهوم صاغه العالم البريطاني الجيوسياسي، وأستاذ في جامعة أكسفورد "هيلفورد ماكيندر".
وقد ذكّر ويس ميتشل الأوروبيين في تقريره بأوضاعهم الحالية، فقد جاء فيه: " على عكس عام 1919، لم نترك في عام 1945 أوروبا وأنشأنا قاعدة دائمة للعثور على الجيش الأمريكي، وطورنا خطة مارشال، ونظم حلف الناتو إنشاء الاتحاد الأوروبي ودعمه".
كما أشار ميتشل إلى أنه في الآونة الأخيرة كان هناك انحراف معين في أوروبا بعيداً عن هيمنة الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، أقر بأن المواجهة من أجل الهيمنة في هذه المنطقة قد تظهر من جديد:
"ينبغي أن تستند نقطة انطلاق استراتيجية الدفاع والأمن الوطني إلى فهم أننا ندخل حقبة من المنافسة على السلطة طويلة الأمد، والتي لا يكون الغرب مستعداً لها. وإن التكيف مع هذا العصر الجديد هو المهمة الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية. وإن الحفاظ على الغرب أمر مستحيل بدون أوروبا".
في ظل الحفاظ على الغرب، يدرك ميتشل استمرار هيمنة واشنطن العسكرية والسياسية الصارمة على الاتحاد الأوروبي، ويتذكر أن هناك 35 ألف جندي أمريكي في ألمانيا، و12 ألف في إيطاليا، كما هناك علاقة خاصة مع بريطانيا وفرنسا.
واحدة من أهم النقاط في خطاب ميتشل، هي العبارة التي تقول إن أوروبا لا يزال لها معنى جيوسياسي. بعبارة أخرى، أقر بأن الولايات المتحدة لا تسيطر بشكل كامل على الوضع.
ولكن تبين أن الانتصار في الحرب الباردة لم يكن نهائياً. وفي ربع القرن التالي تراكمت كتلة حرجة من التناقضات في الساحة الدولية، تتعلق في المقام الأول بهيكل النظام العالمي، عالم أحادي القطب أو متعدد الأقطاب.
ووفقاً للمحلل، فقد خلفت الإدارة الحالية في عام 2017، عملية إعادة ضبط فاشلة للعلاقات مع روسيا، وهي نزاع في أوكرانيا أودى بحياة عشرة آلاف شخص. وفشل في السياسة تجاه سوريا، وأكبر موجة هجرة في تاريخ الاتحاد الأوروبي، واتفاق غير متناسق حول إيران ساهم في توسعها في منطقة الخليج الفارسي وإلى حدود «إسرائيل».
المشكلة الكبيرة
إن المشكلة هي وجود منافس للولايات المتحدة وهي روسيا. والأهم من ذلك كله هو أن "ويس ميتشل" قلق بشأن مشاريع الطاقة الضخمة التي يمكن أن تبعد الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة "نورد ستريم 2". فسوف يجعل خط الأنابيب هذا الجناح الشرقي لحلف الناتو أكثر عرضة للضغط الروسي، ويقلل من أهمية أوكرانيا كدولة عبور، ويجعلها أكثر حساسية للضغط الروسي. وستصبح أوروبا أكثر اعتماداً على الاحتكارات الروسية.
أُعلنت الصين أنها المنافس الاقتصادي الرئيسي الذي يسعى إلى إخراج الولايات المتحدة من جميع الأسواق التي تستطيع بما في ذلك الأسواق الأوروبية. وإن هذا الضغط يضع الولايات المتحدة في مأزق. ويعترف ميتشل بأن المهمة الرئيسية للولايات المتحدة في المستقبل القريب ستكون محاولة الضغط بأي ثمن على روسيا خارج أوروبا.
وستكون أحد أذرع الضغط على روسيا هي أوكرانيا وجورجيا. حيث عززت الإدارة الحالية التعاون بشكل كبير في المجال العسكري: "لقد رفعنا الحظر عن توريد الأسلحة الفتاكة التي فرضتها الإدارة السابقة وساعدنا هذه الدول على الحصول على أسلحة دفاعية بحاجة إليها".
شرق البحر المتوسط – حدود بحرية جديدة
ستكون آخر وجهة مهمة بالنسبة للولايات المتحدة هي شرق البحر المتوسط، حيث فقدت واشنطن الكثير من نفوذها بسبب تصرفات القوات الجوية الروسية في سوريا. وقال ميتشل أنه وعلى الرغم من التناقضات مع أنقرة فإن واشنطن تنوي مواصلة الحوار مع تركيا. وسوف يؤدي ضعف العلاقات مع تركيا إلى خسائر طويلة الأمد للأمن القومي للولايات المتحدة. تعد تركيا على المدى الطويل، البلد الوحيد في المنطقة الذي يمكن أن يوازن إيران، بعبارة أخرى فإن الولايات المتحدة تنوي استخدام تركيا كسلاح ضد إيران، وفي الوقت نفسه الاستمرار في ممارسة الضغط.
وبفك رموز المصطلحات السياسية لمسؤول كبير في وزارة الخارجية، يمكننا ان نستنتج أن أوروبا يجب أن تبقى في منطقة نفوذ واشنطن بأي ثمن، كما أن تركيا ستتعرض لضغوط جدية بسبب محاولاتها لاتباع سياسة مستقلة وانتقاد «إسرائيل». ومن الممكن أن تؤدي الخطوات القادمة لواشنطن إلى تفاقم الوضع في أفغانستان. كل هذا يوحي بأن العالم الأحادي القطب والعولمة قد فشلا، وقد فشلت الولايات المتحدة في تخريب العالم وإعادة بنائه على طريقتها.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني