كيف ستكون «أمريكا أولاً» بدلاً من التوسع؟
جيمس جورج جاتراس جيمس جورج جاتراس

كيف ستكون «أمريكا أولاً» بدلاً من التوسع؟

يحب الجمهوريون تصوير الديمقراطيين على أنهم من أكبر المنفقين، ونهجهم الوحيد في أي مشكلة هو رمي الأموال عليها. وأصبح الأمر حقيقياً في الغالب. على الأقل عندما يتعلق الأمر ببرامج الاستحقاق المحلية، لا يمكن لأحد أن يتفوق على حزب "فرانكلين روزفلت" وحزب "جون كيندي" عندما يتعلق الموضوع بتسريب الأشياء الجيدة إلى الدوائر الانتخابية المفضلة عن طريق جيب شخص آخر.

ومع ذلك، فإن الجمهوريين بالكاد هم حراس على الأموال العامة، ويريدون منا أن نصدقهم. في حين أنهم يسرعون بسحق منافسيهم الحزبيين لجعل أموالهم خالية من أموال دافعي الضرائب.

ستنفق إدارة ترامب في السنوات الخمس المقبلة 3.6 تريليون دولار على الجيش. ووافق الكونغرس الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري، بأغلبية تصويت ساحقة، على الموازنة لعام 2018، وقانون إقرار الدفاع الوطني للسنة المالية. وفيما يتعلق بالقانون الأول حث الاتحاد الوطني لدافعي الضرائب على عدم التصويت:

"التقدير الأولي لحوالي 300 مليار دولار من الإنفاق الجديد فوق الحد الأقصى للقوانين يكاد يلامس الذروة من حيث إجمالي الإنفاق. تتضمن الصفقة التي تبلغ مدتها سنتان 155 مليار دولار في نفقات العمليات الدفاعية والغير دفاعية لعمليات الطوارئ الخارجية، و5 مليارات دولار للدفاع الطارئ، وأكثر من 80 مليار دولار لتمويل الكوارث. ومبلغ 100 مليار دولار من التعويضات المقترحة، ينظر إليها دافعو الضرائب على أنها مبالغ دفعوها مراراً وتكراراً.

ويطرح السيناتور "راند بول" سؤالاً، قلة من الأمريكيين وحتى من الجمهوريين على استعداد أن يطرحوه: هل ميزانيتنا العسكرية صغيرة جداً، أم أن مهمتنا كبيرة جداً؟

تضاعفت الميزانية الأمريكية العسكرية منذ عام 2001، بأكثر من الضعف في القيمة الاسمية ونمت بنسبة 37% بسبب التضخم. وتنفق الولايات المتحدة أكثر من الدول الثمانية القادمة مجتمعة.

من الصعب القول بأن جيشنا يعاني من نقص في التمويل، لذا ربما أصبحت مهمتنا كبيرة للغاية. وتشمل المهمة حالياً المشاركة في العمليات القتالية في العراق وسوريا وأفغانستان والصومال والنيجر وليبيا واليمن. لدينا قوات في أكثر من 50 دولة من بين 54 دولة إفريقية. لقد كلفت الحروب في العراق وأفغانستان أكثر من تريليون دولار واستمرت لأكثر من 15 سنة.

الإنفاق الدفاعي سيبقى، أليس كذلك؟ إذا كنت بحاجة إلى إنفاق فأنت تنفق. لكن من الناحية الواقعية، كيف يمكن للمرء أن يقيم إذا ما كان الإنفاق أكثر من اللازم أم قليلاً جداً دون النظر إلى الاستراتيجية التي كُلف الجيش بتنفيذها. وهل هو منطقي؟

ويشير مؤيدو الزيادة مثل وزير الدفاع "جيمس ماتيس"، إلى مشاكل حقيقية مع زيادة معدلات الحوادث بسبب ضعف التدريب أو صيانة المعدات أو حقيقة أن معظم ألوية الجيش والقوات البحرية ليست جاهزة للقتال. ولكن هل هذا مؤشر لأموال قليلة جداً أم لقوات ممتدة لأبعد من حدودها من خلال إجراء عمليات في أي مكان وكل مكان مع قلة في الاهتمام بالمصالح الأمريكية الفعلية؟

إذا كنت لا تدعم تقديم المزيد من المال فأنت مذنب بإهمال أمن الدولة وقتل موظفي الخدمة. لا عجب أن قلة شجاعة فقط من المشرعين الجمهوريين على استعداد دائم لقول لا، مثل السيناتور "بول" وعدد قليل من أعضاء مجلس النواب: "جاستن آماش (ميشيغان)"، "جون دنكان (تينيسي)"، "والتر جونز (كارولينا الشمالية)"، "توماس ماسي (كنتاكي)".

ماذا لو استبدلنا سياسة الأمن القومي التي تسعى إلى الحفاظ على سيادة الولايات المتحدة على كل بوصة مربعة من العالم، بسياسة تسعى إلى حماية البلاد – وليس التطهير في بقية العالم – ثم تمويل القوات التي نحتاجها؟

إن استراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة ترامب تأخذ شكلاً جديراً بالثناء لكنها مرتبكة تجاه المصالح الأمريكية الحقيقية، الركيزة الأولى (الدفاع عن الحدود الأمريكية وتشديد ضوابط الهجرة لإبقاء الناس الخطرين)، الركيزة الثانية (إنها الممارسات التجارية الغير عادلة واستعادة القاعدة الصناعية)، والركيزة الثالثة (الحفاظ على السلام من خلال القوة).

تشكل الركيزة الثالثة أكثر من إعادة تنسيق للتهديدات المعتادة من الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران.

وانتهى الأمر باستراتيجية تشبه بطريقة أو بأخرى أمريكا أولاً. وإليك مخططاً رئيسياً ممكناً:

نصف الكرة الغربي يأتي أولاً وليس أخيراً، ومن المفترض أن الجدران الجيدة تجعل الجيران أفضل. فماذا حدث للسيطرة على حدودنا مع المكسيك الذي كان حجر الأساس في حملة ترامب الانتخابية؟

في الوقت نفسه فإن أمريكا سعيدة جداً بالتدخل في الشؤون الخارجية لجيراننا بحجة "تعزيز الديمقراطية". ويدعي وزير الخارجية "ريكس تيلرسون" في الآونة الأخيرة أن هذا التدخل كان تعبيراً عن عقيدة "مونرو" فقد قال: "ما يربطنا معاً في هذا النصف من الكرة الأرضية هي قيم ديمقراطية مشتركة". كان يمكن أن يكون هذا خبراً كبيراً للرئيس مونرو، الذي نشر المبدأ في عام 1823، عندما لم يتم وصف أي بلد آخر في الأمريكيتين كدولة ديمقراطية وعندما عارض الآباء المؤسسين ذلك التصنيف للجمهورية التي سعى إليها. تصريح مونرو لا علاقة له بالديمقراطية، وكان جوهره بمثابة تحذير للقوى الأخرى من عدم إنشاء مستعمرات في النصف الآخر من الكرة الأرضية.

احترام مذاهب مونرو للقوى الأخرى: إن التقليد الإقليمي الذي طالبت به الولايات المتحدة في منطقتنا منذ قرابة 200 عام، هو بالضبط ما نرفضه اليوم وهو الاعتراف بقوى أخرى محترمة، روسيا والصين، من خلال التنازل عن أولوية مصالحهم الأمنية في الفضاء السوفيتي السابق وغرب المحيط الهادئ. كما في عهد "بيل كلينتون"، "باراك أوباما"، "جورج دبليو بوش"، لا تزال إدارة ترامب ترفض مبدأ "مناطق النفوذ"، وهذا يعني التأكيد على فرض السيطرة ليس فقط في النصف الغربي من الكرة الأرضية، بل على كل بوصة مربعة من الكرة الأرضية.

على الرغم من اقتراحات مؤسسة السياسة الخارجية، لا الصين ولا أي شخص آخر يهدد الممرات البحرية في بحر الصين الجنوبي. حتى أقرب الشركاء الإقليميين لأمريكا لا يريدون دفعهم إلى مواجهة عسكرية مع الصين. وإن المخاوف الأمريكية بشأن كوريا الشمالية لا يمكن حلها إلا مع احترام أمن بكين.

يجب على قوات الناتو في أوروبا، أن تتراجع عن حدود روسيا ومياهها الإقليمية. ويجب سحب تعهد التحالف لعام 2008 بجلب جورجيا وأوكرانيا. يجب أن نتمكن نحن وأصدقاؤنا الأوروبيون من إيجاد طريقة للتعاون مع روسيا لإخراج أوكرانيا من أزمتها السياسية والاقتصادية كدولة موحدة ومحايدة، وعم ضخ الأسلحة الفتاكة، حتى لا يتجدد على نطاق واسع.

إن الاتفاق الأمريكي مع روسيا والصين هو الحامل الثابت لأي سلام عالمي عقلاني، ولا أحد آخر يهم في الوقت الحالي. تفتخر روسيا بامتلاكها لأكبر مساحة في العالم، وموارد طبيعية لا مثيل لها في أي بلد آخر. ولديها أيضاً الترسانة النووية الوحيدة التي يمكن مقارنتها بترسانة الولايات المتحدة. والصين هي أكثر دول العالم اكتظاظاً بالسكان، حيث يحقق الاقتصاد مساواة مع بلدنا وقطاع عسكري مزدهر. ولو كانت السياسة الأمريكية قد صممت لإبعاد كل هؤلاء العمالقة، لم يكن من الممكن أن تكون أكثر نجاحاً.

تشير الاستراتيجية الأمنية الوطنية بشكل مروع إلى عدم الرغبة في فك الارتباط الأمريكي السابق من المنطقة. تعتبر المنطقة التي يطلق عليها اسم "الشرق الأوسط الكبير" عبارة عن موجة من العداوات العرقية والدينية والدول الغير مستقرة.

المصلحة الوحيدة للولايات المتحدة والشعب الأمريكي في هذه المنطقة هي ضمان أن الإرهاب الجهادي لا يشكل تهديداً. ومع ذلك، فإن جهودنا الإقليمية عملت بدلاً من ذلك على زيادة هذا الخطر واستيراده، وليس تقليله. يجب أن ترتكز السياسة الأمريكية تجاه المنطقة على ركيزتين: أولاً: الحد من الاتصال بها، وتقليل الهجرة من المنطقة بشكل كبير، وبالتالي تقليل احتمال استيراد المزيد من الإرهابيين. ثانياً: بدلاً من تفضيل الأنظمة الداعمة للإرهاب مثل المملكة العربية السعودية وباكستان، يجب الانتقال إلى الدول ذات المصالح المباشرة في المنطقة ولكن لديها نظرة ضد الجهاد، بشكل أساسي روسيا والصين والهند.

صحيح أن هذا مجرد مخطط، ولكنه البداية. بالعودة إلى مسألة ميل الجمهوريين إلى الإنفاق الزائد على الجيش، فإن القوة اللازمة لمفهوم "أمريكا أولاً"، لا يمكن أن تكون إلا جزء بسيط مما ننفقه الآن.

تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني