الوجود الأمريكي في تركيا، والمأزق في سورية
كتب بيتر كورزون مقالاً يشير فيه إلى المأزق الأمريكي في سوريا، وتزامنه وارتباطه الوثيقين مع التحوّل الاستراتيجي التركي في التموضع، والذي نجم عنه تقليل الوجود العسكري الأمريكي في تركيا، وتحديداً في قاعدة إنجرليك الجويّة المرتبطة بالناتو. يقول: «خفض الجيش الأمريكي عملياته في قاعدة إنجرليك الجويّة التركية بشكل كبير. ويتم بشكل متزايد تخفيض الوجود العسكري مع استمرار التوتر بين حليفي الناتو بالتصاعد. فالتقارير تقول بأنّ جميع المقاتلات الأمريكية من طراز [A-10 Warthogs] قد غادرت إلى أفغانستان. تمّ نقل الكثير من أفراد البعثة العسكرية مع عوائلهم. ويشتكي الرسميون الأمريكيون من أنّ تركيا تعيق عملياتهم الجويّة. ويجب أن نلاحظ بأنّ هناك الكثير من الأصوات الداعية لإجلاء الجيش الأمريكي من قاعدة إنجرليك قد ارتفعت مؤخراً في البلاد».
تعريب وإعداد: عروة درويش
إنّ حرمان الولايات المتحدة من قاعدة إنجرليك قد يضعها في موقف صعب، يوجب عليها أن تعيد الكثير من حساباتها في المنطقة. ولو توصلت مجموعات العمل على تحسين العلاقات الثنائية بين البلدين، والذي طبّل وزمّر لها الإعلام الغربي، إلى نتائج إيجابية، لكنّا رأينا بعضاً من نتائجها على الأرض.
إنّ الخلاف بين الأمريكيين والأتراك في سورية ذو صبغة شديدة. فكما يقول الكاتب: «تصرّ تركيا على أنّ هدفها القادم هو السيطرة على مدينة منبج السورية التي يقطنها عددٌ كبير من الأكراد، وهو ما يحصر الولايات المتحدة في خانة الاختيار بين أنقرة أو الأكراد. قد ينجم عن دخول القوات التركية إلى المدينة، وهي التي يتموضع فيها الجيش الأمريكي، اشتباك حقيقي».
ومن المثير للاهتمام أنّ وزارة الخارجية الأمريكيّة لم تذكر منبج لا من قريب ولا من بعيد عند ذكرها «للنتائج الإيجابية» التي حققتها مجموعات التوفيق بين البلدين، بل قاموا بتجنب الموضوع بكل بساطة. وهذا يدلّ بأنّ العلاقة بين البلدين تترنّح على الحافة.
ولا يدور الخلاف بين الأتراك والأمريكيين في الموقف من سورية فقط، بل كذلك حول إعلان روسيا عن تسليمها منظومات صواريخ S400 لتركيا بحلول عام 2020، وهو الأمر الذي عبّر الناتو عن أنّه لا يتوافق مع بنيته. وقد حذّر المسؤولون الأمريكيون أنقرة مؤخراً من عواقب محتملة لمثل هذه الصفقة، ومن بينها فرض عقوبات عليها إن هي أتمّت الصفقة.
وتتوضح الصورة الأكبر للخلاف بين تركيا وأعضاء الناتو في قيام 19 عضو من التحالف بمنع استضافة أنقرة لاجتماع الناتو عام 2018، والذي نجحوا فيه. ولا يبدو الوضع أفضل مع ألمانيا الذي أبدى التحالف الحاكم الجديد فيها نيته تجميد أيّ مفاوضات لدخول تركيا في الاتحاد الأوربي، بذريعة انتهاكات حقوق الإنسان. وقد صرّح أردوغان في 2017 بأنّ حكومتي ألمانيا وهولندا: «من بقايا النازيّة والفاشيّة»، لمنعهم المسيرات المؤيدة له على أراضيهم قبل الانتخابات البرلمانية التركية.
ويتداول الزعماء الأتراك مسألة تشكيكهم في تحضير الناتو لهجمات ضدّ تركيا، وكما يذكر المقال: «يقول المسؤولون الأتراك بأنّ التحالف غدر بأنقرة في حربها ضدّ الإرهاب عندما رفضوا دعم هجومهم العسكري على عفرين... إنّ البلاد حالياً هي شبه منفصلة عن كتلة الناتو في واقع الأمر».
ويؤكد الكاتب: «لطالما كانت تركيا هي الخروف الأسود بالنسبة للناتو. فأثناء اجتياحها لقبرص عام 1974، سببت انشقاقاً في التحالف، ممّا دفع اليونان لسحب قواتها من هيكل قيادة التحالف حتّى عام 1980. وابتعادها اليوم عن الناتو والغرب عموماً واضح وجلي. ويمكن إيجاد نقاط اقتراب في بعض الحالات، لكن بالتأكيد ليست تركيا حليفة للولايات المتحدة أو الاتحاد الأوربي أو الناتو اليوم. إنّها تتبيّن حالياً طريقها المستقل، بينما يجد الغرب نفسه محشوراً».
ويؤكد الكاتب: «إن استمرّت الولايات المتحدة في عملياتها في سورية، فستكون بحاجة للأكراد، لكنّها ستخاطر عندها بخسارة تركيا. لكنّ التخلي عن [قوات سورية الديمقراطية] من أجل تجنّب النزاع مع أنقرة سوف يضرّ بمدى موثوقيتها في المنطقة. وقوات الحماية الكردية بدأت بالفعل تحرّك مقاتليها دون التنسيق مع القادة الأمريكيين، ودون أن تأخذ أوامرها منهم».
لا تملك الولايات المتحدة في الوقت الحالي أيّ لاعب كبير في سورية لتدعمه، وليس أمامها إلّا التنسيق مع موسكو التي تملك الآن علاقات مع جميع الأطراف، وهي المقاربة التي ترفضها واشنطن حتّى الآن. وكما يختم الكاتب: «إنّ قدرة الولايات المتحدة على المناورة في سورية اليوم محدودة جداً... وقد أضعفت خسارتها لإنجرليك قدراتها العسكرية بشكل كبير في المنطقة... إنّ الخيار الأفضل للولايات المتحدة اليوم هو في سحب جيشها من سورية».
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني