هل كان «بابا سنفور» شيوعياً؟
لقد انتبهت منذ وقت قصير إلى أنّ شبكة الإنترنت زاخرة بالمقالات والمواقع التي تتحدث عن ميزات تشابه بين الشيوعيّة ومسلسل الكرتون الخيالي: السنافر.
تعريب: عروة درويش
وفي حين أنّ بعض هذه المواقع قد حاولت أن تمنح تحليلاتها صيغ الحياد الذي انعكس قصصاً مسلية، فقد أثارتني مواقع أخرى بكذبها الفاضح وبروايتها المعادية للاشتراكية. وكان عنوان أحد أكثر المقالات فظاظة من هذا النوع، مقال معنون باسم: «بابا سنفور... شيوعي».
ففي بداية المقال أشار الكاتب إلى أنّ مسلسل السنافر هو: «عمل أنتجته الحكومة الروسية من أجل تلقين أفكارها لجيل الصغار في المجتمع الغربي، وبذلك يتم تدمير أي مقاومة تعترض الغزو الروسي الوشيك للغرب».
أولاً، لم يملك الاتحاد السوفييتي يوماً نيّة غزو الغرب أو الولايات المتحدة، ولا يعتبر حثّه للبروليتاريا الغربية على الانتفاض على برجوازييها من قبيل الغزو. لكن لا يمكن قول المثل عن القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والتي قامت بشكل همجي بغزو الدول الاشتراكية المولودة حديثاً في روسيا بعد نجاح ثورة أكتوبر 1917 مباشرة، في محاولة عقيمة لتدمير الاتحاد السوفييتي الذي سعت الطبقة العاملة نحوه لسنوات.
ثم يذكر الكاتب الأسطورة التي لا تنفكّ تتردد فيقول: «والشيوعية لا تنجح بكل تأكيد لأنّ الناس طماعون عموماً ويحتاجون لما يجاهدون لأجله، ولهذا تنجح الرأسمالية». إنّ هؤلاء الذين يؤيدون الأسطورة القائلة بالطمع كأساس للمجتمع المنتج، وبأنّ تفكك الاتحاد السوفييتي هو «دليل» على صحّة هذه النظرية، لا يفعلون أكثر من إظهار جهلهم بمعنى الشيوعية وبالأسباب الحقيقية وراء تفكك الاتحاد السوفييتي.
ليس الطمع إلّا أحد أعراض الرأسمالية. وعندما طوّر ماركس وإنجلز ولينين نظرياتهم، أخذوا في اعتبارهم جميع غرائز البشر ومثالياتهم. الاشتراكية أكثر إنتاجيّة من الرأسمالية في كل من النظرية والتطبيق. لقد كان إخفاق رؤساء الاتحاد السوفييتي في مرحلة التراجع بالردّ والتأقلم بشكل ملائم مع الضغوط والتغيرات المتنوعة، هو السبب في انهيار الاتحاد السوفييتي. إنّه إخفاق الرؤساء وليس إخفاق الاشتراكية.
وبالعودة إلى كاتب المقال المبتذل، والذي انحدر من أسطورة «الطمع أمر جيّد» إلى الأكاذيب الفجّة عن «المجتمع العنصري وغير المتسامح». فقد قال بأنّ السنفور «مغرور» يتم إظهاره بهذا الشكل السلبي «لأنّه يعبّر عن المثليّة الجنسية»، وبأنّه: «لم يتم التسامح مع المثلية الجنسية في المجتمع السوفييتي».
لقد حظي المواطنون عند إنشاء المجتمع الاشتراكي في روسيا ليس بالتسامح فقط، بل بحرية شخصية غير مسبوقة. فبالتوازي مع العمل على معالجة الأسباب الاجتماعية المولّدة لهذه الظاهرة، كان الاتحاد السوفييتي أوّل دولة تلغي تجريم المثلية الجنسية، في الوقت الذي كان مثل هذا النشاط غير قانوني في غيره من الدول الصناعية. كما تمّ في حينه إلغاء كافة القوانين التي تنتقص من حريّة المرأة. لقد كان السوفييت يعلمون بأنّ مثل هذه القوانين تعود للحقبة القيصرية، وأنّها أنشأت من أجل محاباة الكنيسة، وبأنّ لا علاقة تربطها بالمجتمع المعاصر.
إنّ القمع القسري والعنيف أحياناً لمثل هذه الظواهر، لم يكن بأي شكل من الأشكال موجهاً عبر الإيديولوجية الشيوعية. بل كان نتاج ثقافات وعادات مثالية متحيزة وموجودة بالفعل في هذه المجتمعات.
ثمّ يتابع الكاتب هجومه، واصفاً الشخصية الكرتونية الشريرة «شرشبيل» بأنّها تحمل صفات جسدية تعكس صفات اليهود الجسدية، وواضعاً الاتحاد السوفييتي على طرفي نقيض مع اليهودية كدين، لا مع النخبة المالية اليهودية وارتباطاتها. ويتابع الكاتب في غيّه قائلاً: «في ظلّ النظام الشيوعي، تمّ اضطهاد اليهود من أجل حبّهم للمال (من بين أسباب أخرى)». لكنّ هذا التصريح كاذب بشكل صفيق. فالسكان اليهود، كغيرهم، تمتعوا بحريّة غير مسبوقة في الاتحاد السوفييتي في الزمن الذي كانت فيه «معاداة السامية» أمراً شائعاً. فقبل الثورة، تمّ استهداف اليهود عبر الطرد أو الإبادة بشكل مبرمج في روسيا، وذلك مثلما كان يحدث لهم على طول أوروبا لقرون.
لكن مع بزوغ شمس الثورة في الاتحاد السوفييتي، بدأ اليهود بوصفهم سوفيتيون أولاً وأخيراً يعيشون حالة جديدة من الانعتاق، ولم ينعكس ذلك في السلوكيات المتبعة في السوفييتات الأعلى، بل أيضاً في العلاقات الوديّة مع بقيّة المواطنين السوفييت.
ويظهر هذا في أحد أفلام سيرغي إيزنشتاين الكلاسيكية «معركة بوتمكين»، الذي يتحدث عن الثورة في عام 1905. ففي أحد المشاهد التي تظهر انتفاضات العمّال، يقوم أحد البرجوازيين المعادين للساميّة والذي استشعر بالعداء الصارخ للرأسمالية، بالصراخ بصوت عالٍ: «دعونا نقتل اليهود». لكنّ دعواه لم تحظى بالاستجابة الذي توقعها، وتمّ خفت صوته في ظلّ الحماس البروليتاري.
وعندما انتصرت قوى الوحدة البروليتاريا-الاشتراكية على الإمبريالية-النازية بعد الحرب العالمية الثانية، حرر الاتحاد السوفييتي عدداً هائلاً من المحتجزين في معسكرات الاعتقال الذين كانوا يواجهون القتل الممنهج. وقامت السلطات السوفييتية والسلطات في أوروبا الشرقية بعد ذلك بملاحقة المتعاونين مع النازيين الذين كانوا مسؤولين عن تلك المذابح.
إنّ مقالات مثل «بابا سنفور شيوعي» ليست إلّا محاولة للهجوم على الشيوعية من باب «معاداة السامية» و«قمع المثليين»، وهي ليست إلّا جزءاً من الحملة الكبيرة المستمرّة التي يشنّها الغرب لتشميل الشيوعية في إطار النازية. ويمكن لمس هذه البروباغندا في سلسلة وثائقيات رجعية مثل «حرب روسيا – الدم على الثلج»، و«حرب القرن»، والتي تحاول أن تشبّه النازيّة بـ«الستالينية». (ثمة حتّى في روسيا قوى مرتبطة بالغرب تحاول أن تدفع بهذا الاتجاه).
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني