الاستغلال الخفي2| زيادة العمالة غير المأجورة
لمتابعة الجزء الأول من «الاستغلال الخفي»: إضغط هنا
وصفت كتابات ماركس نفسها أنواعاً أخرى من العمالة في ظلّ الرأسمالية، ولطالما دفع المنظرون الماركسيون لتوسيع فهمنا للاستغلال إلى أبعد من علاقات الإنتاج المأجورة الكلاسيكية.
ففي حين أنّ الأعمال التي تتحدث عن الاستغلال الرأسمالي لعمالة النساء غير المأجورة قد ازدهرت في العقود الأخيرة، يمكننا إيجاد نسخ نقدية بهذا الخصوص تعود لزمن أطول، مثل المثال التي كتبته الماركسيّة الأمريكية ماري إنمان بعنوان: «دور ربّات المنزل في الإنتاج الاجتماعي»، والمنشور عام 1940. لاحظت إنمان ببصيرة نافذة أنّ: «عمالة النساء اللواتي يطبخن لأزواجهن الذين يصنعن الإطارات في معمل فايرستون في كاليفورنيا، كلاهما جزء أساسي من عمليّة إنتاج إطارات السيارات. فربّات المنزل يحللن محلّ نادلات مطعم يأكل فيه عمّال مصنع فايرستون... فعمالتهن منسوجة بشكل لا يمكن فصله عن عمالة أزواجهن من أجل صناعة هذه الإطارات».
يظهر لنا مسح سريع للقرن الماضي أنّ تيارات الماركسية المتعددة قد ركزت على دور العمالة غير المأجورة في خلق الأرباح الرأسمالية، عبر التراكم الأصلي والعبودية وعمالة ربّات المنازل. لكن وفي معظم الأعمال في ذلك الحين، بقي الماركسيون يضعون العمل المأجور في مركز تحليلاتهم للاستغلال الرأسمالي، لمرحلة إقصاء غيره من صيغ العمالة. وقد رحّب البعض بتوسيع العلاقات المأجورة لتشمل الاقتصادات حيث سادت العمالة غير المأجورة، كإشارة على وصول الرأسمالية «الحقيقية».
بأي حال، ففي الحقبة الحالية من العولمة النيوليبرالية، لم يتمّ الاستعاضة عن التراكم الأصلي والعبودية والعمل المنزلي أو استبدالهم بالعمالة المأجورة، بل استمروا وتوسعوا عوضاً عن ذلك. ونرى الآن أيضاً بأنّه قد تمّ إنشاء المزيد من صيغ الاستغلال الرأسمالي غير المأجور، بل تمّ إنشاء المزيد من الاستغلال النقدي حتّى. بل من الممكن المجادلة أيضاً بأنّ الاستغلال عبر هذه الآليات المختلفة، قد بات موجوداً أكثر من المجال التقليدي للأجور والرواتب.
وفي حين أنّ بعض النظريات قد حققت تقدماً عظيماً، فلا يزال الجانب الطاغي للتحليلات الماركسيّة غارقاً بشكل كامل بالعمل المأجور. ما يجب أن يتلو ذلك هو محاولة تعداد بعض المسارات العديدة لانتزاع الرأسماليين للفائض، ولا أقصد هنا الذهاب إلى أبعد من صيغ الأجر فقط، بل أيضاً المضي أبعد من التراكم الأصلي والعبودية والعمل المنزلي، وتبيين أنّ هذه الصيغ الأخرى من الاستغلال هي جوهريّة وأساسيّة للرأسمالية.
يمكننا أن نقسّم في سبيل الإقناع صيغ الاستغلال الرأسمالي الأبعد من الأجور، إلى عدّة فئات. أولاً: أن يتمّ إعادة تنظيم العمل المأجور بحدّ ذاته، بحيث يتمّ الإشارة إلى أنّ ما هو مطلوب من العامل ليس «عملاً» على الإطلاق، وهو بالتالي غير مأجور، فالعمّال يتلقون أجوراً أقل فأقل عن وقت العمالة اللازم. مثال: يتم الطلب إلى العمّال غير الثابتين بشكل متزايد أن يكونوا جاهزين «تحت الطلب» ليؤدوا أعمالاً غير مأجورة، فموظفو ستاربكس مثلاً يجب أن يبقوا جاهزين ومتوفرين ليغطوا الشواغر أثناء تبديل الورديات، وهو الأمر الذي لا يظهر بشكل يومي على جدول أعمالهم. ويطلب بالمثل إلى عمّال المطاعم أن يقوموا بالأعمال التحضيريّة أو بأعمال التنظيف دون حساب هذه الأعمال من ضمن ساعات العمل، وكذلك يطلب إلى عاملات رعاية الأطفال أن ينهين الأعمال الورقية في منازلهم ليلاً، وكذلك من عمّال الياقات البيضاء (العمّال الإداريين) أن يتفقدوا بريدهم الإلكتروني في المساء وفي أيام العطل والإجازات. فرغم أنّ هؤلاء العمّال مأجورين، فإنّ الكثير من الأعمال التي يقومون بها هي أعمال غير مأجورة.
وهناك أيضاً بعض الصيغ المألوفة من استغلال العمالة هي خارج نماذج الأجور الرسميّة كليّاً، وهي في توسّع مستمر. فبعض أنواع أعمال المقاولات التي عرفت منذ وقت طويل في «الجنوب العالمي»، يتزايد حضورها اليوم بشكل مستمرّ بين عمالة «الشمال العالمي» أيضاً. ويشمل هذا عمالة غير مأجورة كلياً أو مأجورة بشكل اسمي فقط، ومثالها عمالة السجون أو عمالة فترات التدريب، حيث يتمّ تسمية عمّال هذه المجالات باسم «عمّال المقاولة المستقلون» إن كانت وظائفهم متدنية اجتماعياً، و«عاملون لحسابهم الخاص Freelancers» أو «استشاريون» إن كانت وظائفهم تحتلّ مكانة أعلى في السلم الاقتصادي. وينطبق ذلك مثلاً على أساتذة الجامعات المساعدين دون عقود دائمة وعلى سائقي «أوبر»، وكذلك على عمّال المهمات المفردة وعمّال المياومة ومنزهي الكلاب ومعدي المقالات ومسؤولي المواقع المستقلين.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني