السكن البريطاني والحلول الراديكالية
عندما سؤال ساجد جاويد، وزير الدولة للاتصالات وشؤون الحكم المحلية في الحكومة البريطانية، إن كان المحافظون قد أخفقوا في بناء ما يكفي من المنازل، أجاب بأنّه لم تتخذ حكومة في الأربعين عاماً الماضية كميّة إجراءات فاعلة لضمان التوريد اللازم للمنازل، ونحن نوافق على قوله هذا. فبعد أربعة عقود على انتخاب مارغريت تاتشر، لا تزال الإيديولوجيّة السياسيّة، أي النيوليبرالية، التي زرعتها حكومتها في المجتمع البريطاني، قابعة في قلب أزمات الإسكان التي نواجهها الآن.
تعريب: عروة درويش
لقد كان وزير الدولة يتحدث بشكل سابق لخطاب رئيسة الوزراء بخصوص مقارعة أزمة السكن. وهو الخطاب الذي وصف بأنّه فرصة رئيسة الوزراء للعودة إلى برنامج سياساتها المحلية الذي خرج عن مساره بسبب تعقيدات بريكزت، وإلى أهدافها في وضع العدالة الاجتماعية في قلب فترة رئاستها. وقد أعلنت تيريزا مي بأنّ توسيع قدرة الوصول إلى السكن هو أمر أساسيّ في الوصول إلى انتقال اجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وهناك الكثير من الحقيقة في هذا، فأثمان المساكن العالية تسبب التوتر والفقر وعدم الأمان والاكتظاظ. فعلى المستوى المحلي، تمنع أثمان المساكن الناس من العمل، أو تعني على الأقل بأنّ عليهم أن يرتحلون لمسافات طويلة ليصلوا إلى العمل ويدفعوا تكاليف مرتفعة، وسيضطرون عندها إلى استبعاد أماكن سكنهم من المناطق التي يدعونها «ببيئتهم».
كان التصريح الذي أعلن يوم الاثنين بأيّ حال، وكما لاحظ الكثير من المراقبين، فاشلاً في توصيف حجم التحدي القائم في تزويد ما يكفي من المنازل لتلبية الطلب، وكذلك في تصحيح أزمة القدرة على تحمل التكاليف أو توفير الأمان الذي يطالب به المؤجرون.
جادلت تيريزا ماي: «بأنّ جذور سبب الأزمة بسيطة. فقد أخفقت هذه البلد لعقود في بناء ما يكفي من المنازل الملائمة في المكان الملائم». لكنّ هذا خطأ، فأزمة السكن لا تدور حول بناء ما يكفي من المنازل، رغم أنّ هذا سيلعب دوراً محورياً في حلّ الأزمة. فالحلول الوحيدة التي سيكون لها تأثير ذو مغزى هي الحلول التي تولي اهتماماً بالخيارات السياسية التي تمّ اتخاذها، والتي ستعترف بها، وستتعامل مع سوق التمويل الإسكاني بوصفه هو من خلق الأزمة.
فكما لاحظت مفوضيّة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فإنّه يتمّ التعامل مع الإسكان بشكل متزايد: «بوصفه سلعة، وكوسيلة لمراكمة الثروة، وغالباً كضمان للأدوات المالية التي يتاجر بها وتباع في السوق العالميّة». لقد قادتنا أعوام من الخيارات السياسية إلى النتيجة التي نواجهها اليوم. فكما شرح لوري ماكفارلين في كتاب: «إعادة التفكير في اقتصاد الأرض والإسكان» الذي شارك فيه، فإنّ إلغاء الضرائب على الأرض ولبرلة قروض الرهن العقاري ومنح الأولوية للإسكان الذي يوفره القطاع الخاص، قد تفاعلت جميعها مع بعضها لخلق أعاصير في أثمان المساكن وفي الإخفاق في بناء ما يكفي من المنازل.
سمح هذا في نهاية المطاف للمستثمرين المؤسساتيين، والبائعين والمشترين عبر البحار، بأن يحملوا ملّاك الأرض على نقل كميات كبيرة من رأس المال، ووضعها في الممتلكات العقارية، ليقوموا بذلك برفع أسعار العقارات بشكل محموم. إنّ الأرض اليوم هي أكثر الأصول، غير المالية، قيمة في اقتصاد المملكة المتحدة. فقيمتها تبلغ 5 ترليون جنيه إسترليني، أو 51% من إجمالي القيمة الصافية في المملكة المتحدة.
ستتطلب معالجة هذا الأمر جهوداً لمعالجة البنية الأساسية لسوق الإسكان. إصلاح سوق الأرض أمر أساسي، جنباً إلى جنب مع وضع قيود على المضاربة في قطاع الإسكان. وكذلك معالجة مسألة منح الأولوية للقطّاع الخاص على حساب المجتمع.
اعتمدت الحكومات المتعاقبة بشكل صريح على مطوري القطاع الخاص، الذين فشلوا رغم زيادة أرباحهم بشكل روتيني في بناء مساكن بأسعار معقولة مطلوبة. بناء على الدراسات التي أجريناها، فإنّ 92% من السلطات المحلية قد أخفقت في بناء مساكن بأسعار معقولة.
لم يتمّ فعل الكثير من أجل ضمان وفاء هؤلاء المطورين من القطاع الخاص بالتزاماتهم في سوق الإسكان. وجدت أبحاث المساكن أنّ 79% من المنازل بأسعار معقولة التي كان يجب على المطورين بناءها قد ضاعت في الثغرات التخطيطية. فعلى سبيل المثال، تمّ بناء خمسة عشر ألف منزل في مانشستر العام الماضي، ولم تكن أيّ منها ذات سعر معقول. والأكثر إزعاجاً من هذا، أنّه من غير المسموح للمجالس المحلية بالاقتراض من أجل بناء مساكن، وذلك رغم رغبتها القيام بذلك.
ليس خطاب رئيسة الوزراء في هذا المجال أكثر من عقبة أخرى في الطريق. رغم هذا فإنّ أولئك الذين يبتغون الإبقاء على الوضع الراهن والالتفاف على المشاكل، يبدون دوغمائيّة متزايدة في مجالات تزايد اللا مساواة وعدم العدالة. هذا سبب جيّد يدفعنا كي نتحرّك إلى أبعد من مجموعة الأفكار السياسية التي قادت سياساتنا في العقود الأربعة الماضية. يجب علينا أن نضع مسألة معالجة السوق الإسكانية في قلب مشروعنا.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني