رحيل تيلرسون بين الاتفاق مع إيران والمحادثات الكورية
فيما يتعلق بسجل القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس دونالد ترمب، فإن إقالة ريكس تيلرسون لا تعتبر الأكثر إذلالاً بينها. في الواقع، هذا اللقب من نصيب رئيس فريق العاملين بالبيت الأبيض السابق رينس بريبس، فقد علم بقرار فصله عبر التغريدات التي أطلقها ترمب وسرعان ما جرى عزله عن موكب الرئيس.
ومع هذا، يظل رحيل تيلرسون بمثابة صفعة على وجه الرئيس التنفيذي السابق الذي اعتاد تقديم المشورة، إلى، والدخول في مشاحنات مع ترمب. وحسبما أعلن وكيل وزارة الخارجية لشؤون الدبلوماسية العامة ستيف غولدشتاين في بيان صدر الثلاثاء، فإن «الوزير لم يتحدث إلى الرئيس هذا الصباح ولا يعرف سبب القرار، لكنه يشعر بالامتنان إزاء منحه فرصة الخدمة في هذا المنصب».
أما الحقيقة، فواضحة منذ أمدٍ بعيد. داخل وزارة الخارجية، يتهامس أنصار تيلرسون منذ فترة طويلة حول شائعات رحيله الوشيك، مشيرين إلى ذلك باسم «ريكست». وأقر ترمب نفسه، الثلاثاء، أنه وتيلرسون يناقشان مسألة رحيل الأخير منذ الصيف.
جدير بالذكر أن تيلرسون ربطته علاقة صداقة وثيقة بوزير الدفاع جيمس ماتيس، وعادة ما كانا يلتقيان مرة واحدة أسبوعياً، وغالباً ما كانت تتفق آراؤهما بخصوص القضايا المهمة المتعلقة بالسياسة الخارجية. بيد أنه بمرور الوقت، وجد تيلرسون نفسه معزولاً عن وعلى خلاف مع الرجل الذي شكل رأيه الأهمية الأولى: ترمب.
وفي حديث له أمام حشد من المراسلين، الثلاثاء، قال ترمب: «عندما تمعنوا النظر في الاتفاق مع إيران تجدون أنه مروع». ويحمل هذا التصريح أهمية كبيرة؛ لأن وزارة الخارجية في ظل قيادة تيلرسون كان منوطاً بها حث حلفاء أوروبيين على الموافقة على إدخال إصلاحات على الاتفاق النووي قبل الموعد الزمني النهائي التالي أمام ترمب للتصديق على التزام إيران بالاتفاق.
وعليك مقارنة ذلك بالرجل الذي دفع به ترمب ليحل محل تيلرسون، مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، مايك بومبيو. خلال العام الذي ترأس خلاله الوكالة، وافق بومبيو على توفير سلطات جديدة تتيح استهداف قيادات في الحرس الثوري الإيراني عبر عمليات استخباراتية. وداخل الإدارة، دعا بومبيو إلى رفض التصديق على الالتزام الإيراني بالاتفاق النووي، في الوقت الذي دعا فيه تيلرسون إلى عدم قتل الاتفاق.
وللتعرف على كيف يرى بومبيو الاتفاق النووي، يكفينا النظر إلى عمله عندما كان عضواً في الكونغرس يمثل ضاحيته التي ينتمي إليها في ويتشيتا بكنساس، ففي أعقاب إنجاز الاتفاق عام 2015، عمل بومبيو بدأب عضواً في الكونغرس لمقابلة مصرفيين ودبلوماسيين ورؤساء تنفيذيين أوروبيين للترويج لفكرة أن الاستثمار داخل إيران غير آمن على عكس ما كانوا يسمعون من جون كيري، وزير الخارجية آنذاك. وشرح بومبيو آراءه بالتفصيل في إطار مقال نشره في دورية «فورين بوليسي» قبل أسابيع من الانتخابات بعنوان «الأصدقاء لا يتركون الأصدقاء يعقدون صفقات تجارية مع إيران».
من ناحية أخرى، فإنه بخصوص القضيتين المهمتين الأخريين على صعيد السياسة الخارجية - روسيا وكوريا الشمالية - تبدو الاختلافات بين بومبيو وتيلرسون أقل جلاءً. كان تيلرسون قد بدأ فترة عمله وزيراً للخارجية نحو إعادة ترتيب العلاقات مع روسيا. وخلال زيارته الأولى لموسكو العام الماضي، سأل الوزير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول ما يرغب في تحقيقه من وراء العلاقات الأميركية - الروسية، وأي الصعد يتعين على البلدين التعاون في إطارها. وقد تحول ذلك إلى مفاوضات حول مناطق نزع التصعيد في سوريا والتي انتهكتها روسيا منذ ذلك الحين. إلا أنه منذ الصيف، اتخذ تيلرسون موقفاً متشدداً حيال موسكو. على سبيل المثال، أخبر تيلرسون حشداً من المراسلين، الاثنين، قبل أن يتعرض للإقالة، بأن الهجوم الذي وقع بغاز الأعصاب في بريطانيا الأسبوع الماضي «من الواضح أنه من صنع روسيا». وقبل ذلك، كانت تعكف وزارة الخارجية تحت قيادته على إعداد عقوبات جديدة بالتعاون مع وزارة الخزانة لاستهداف بعض الكيانات والأفراد الذين اتهمهم تقرير المحقق الخاص روبرت مولر الصادر الشهر الماضي بالتدخل في انتخابات عام 2016 الرئاسية عبر شبكة الإنترنت.
الملاحظ أن بومبيو هو الآخر اتخذ موقفاً أكثر صرامة عن ترمب نفسه إزاء روسيا. وباعتباره مديراً لـ«سي آي إيه»، قال بومبيو في أبريل (نيسان) الماضي إن «ويكيليكس» سيجري التعامل معه باعتباره «خدمة استخباراتية معادية». وفي الفترة الأخيرة، عزز بومبيو من جهود التشارك في الاستخبارات والاتصالات مع الاستخبارات الأوكرانية التي تخوض حرباً على حدودها الشرقية ضد عملاء تابعين للكرملين وانفصاليين مدعومين من روسيا.
وأخيراً، نصل لقضية كوريا الشمالية. اللافت أن تيلرسون كان في رحلة عبر أفريقيا عندما أعلن ترمب أنه قبل دعوة - نقلت إليه عبر مندوب من كوريا الجنوبية - لمقابلة طاغية كوريا الشمالية كيم جونغ أون. ومع ذلك، أخبرني مسؤولان من داخل الإدارة بأن هذا لا يعني أن تيلرسون لم يكن خارج فريق التخطيط خلال عطلة نهاية الأسبوع.
جدير بالذكر أن تيلرسون كان من أوائل المؤيدين لمشاركة الولايات المتحدة في محادثات مع كوريا الشمالية، وإن كان ليس على مثل هذا المستوى الرفيع. ومن أجل تمهيد الطريق أمام عقد مثل تلك المحادثات، كتب تيلرسون وماتيس مقالاً العام الماضي، وذكرا أن الولايات المتحدة ليس لها مصلحة في تغيير النظام داخل كوريا الشمالية. ومع هذا، عندما سئلا عن إمكانية عقد قمة بين البلدين، بدا تيلرسون حذراً في إجابته وقال إن التخطيط لهذا الأمر «لا يزال في مراحله المبكرة للغاية».
الواضح أن هذا ليس نمط الخطاب المبالَغ فيه الذي يروق لترمب سماعه من مسؤوليه. ويمكنك مقارنة إجابة تيلرسون بالأخرى التي طرحها بومبيو، ففي حديث له حول إمكانية عقد لقاء بين ترمب وكيم، عمد بومبيو إلى التأكيد على ما سعى تيلرسون للتقليل من أهميته. وقال بومبيو في تصريحات لبرنامج «فوكس نيوز صنداي» هذا الأسبوع: «إن هذه شروط لم يسبق لنظام كوريا الشمالية تقديمها مقابل عقد محادثات». وهذا النوع من التصريحات هو ما يعشق رئيس مهووس بالإعلام سماعه من مسؤوليه. لذا؛ من غير المثير للدهشة أن يدفع ترمب الآن بومبيو نحو دائرة الضوء بتعيينه وزيراً لخارجيته.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني