باسل.. المجد كلّه بين يديك
ها أنا أقف ولا أقوى على بعد سنة أو على بعد شهر على الأكثر متفحصًا ما كان وناظرًا إلى ما سيكون مجددًا لك البيعة ومذكرًا لك بتلك المسبحة التي ألقيت بها في قبرك على جسدك المسجى وهو يوارى والتي فيها كل البيعة والقسم…
دخلت فراشيي لأنام نومة ما اعتادت عيناي عليها طوال تلك الفترة بعد ان كانت اخر كلمات تلك الليلة « الله يسترنا من شر ساعة الغفلة، جاءتني صحوة، الجسد يرتعش بردا والقلب يهدر ويرتجف، نبضات تتلاحق نفس مقطوع، واستعدت قواي توضأت صليت الفجر لأرجع إلى فراشي طالبا بعض الدفء متوسلًا ومتضرعًا لله ومكثفًا في دعائي لك بالنصر والثبات والحماية وتسديد الخطى والرمي واذهب في دعائي إلى ان أستيقظ وأبي وامي وزوجتي بالقرب من رأسي « قوم في خبر يبدو إنه مزعج، هناك مقاوم مجهول الهوية استشهد في البيرة بعد اشتباك خاضه لمدة ساعتين»
لم تقوَ قدماي على حملي، أهي الساعة؟ أهي الحقيقة التي كنت تستعد لمواجهتها منذ أشهر؟ أهو باسل؟ وفي البيرة؟ ومن غير باسل؟ أسئلة مرت في ذهني كلمح البصر، بعدها بدأ والداي في سوق كل ما يدل على انه باسل قائلان، « ومين غير باسل؟ أنا قلبي بقلي إنه باسل»
تمالكت قواي ووضعت كل ما بداخلي من عواطف ممكن أن تثور أو تتفجر في مكان آخر غير عالمنا وأقول لهما: “إذا كان مش باسل فهو مقاوم اشتبك الله يتقبله ويعين أهله وإذا كان باسل فشو انتوا متوقعين بدنا نكون على قدر الحدث ونواجهه بكل قوة وصلابة”.
لتأتي أول الصور وفيها طرف قدم الشهيد حذائه وقطعة السلاح المسنودة على الحائط “هذا باسل”، لا مش باسل فخذه سميكة مش باسل! ليقطع أبي كل نقاشنا بصوت موجع مسموع ومكلوم قائلًا: “هو! هو!، هذا باسل، الله يرحمك، الله يرضى عليك يابا، يا حبيبي، الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون”
انظر الى الشاشة ولا أرى صورة تؤكد لي ما أسمع إلى أن يرشدني والدي إلى الخبر العاجل، “الشهيد الذي ارتقى في البيرة فجر اليوم هو باسل الأعرج ”
أمي تحمد وتسترجع وتصيح بصوت متشحرج ولكنه قوي تستدعي لباسل تارة وأخرى تدعو الله أن ينتقم له من كل من أذاه، كل تلك الكلمات لم ولا تفارق أذناي حتى هذه اللحظة تقطع أوصالي وتشلع قلبي وتحرقه
نهضت أقبل رأسيهما واطلب منهما الصبر والاحتساب لله، هدأ المكان أدركت أنهما قويان وقادران على المواجهة لأهلع لبيوت الأعمام انقل لهم الخبر بدون مقدمات ولا تهيئة فلا وقت لذلك «باسل استشهد، باسل استشهد»
أدركت أني أمام ذلك الحمل الثقيل والشرف العظيم اللذان لن أتنازل عن حملهما أبدًا ما حييت، وعرفت أن الحكاية انتهت لتبدأ..
ما قويت على كتابة هذا أو غيره طيلة عام ولم أبدأ في الكتابة إلا وأوقفني ألم لا يتسع المجال هنا لشرحه، وقفت في مرة بعدما كتبت على لسانك بضعة أسطر وكأنك تصور لنا. اشتباكك وآخر اللحظات وتحاورنا وتعزينا قلت فيها، « وجدت أجوبتي… وجدت أجوبتي…. وألقيت بجسدي النحيل في مهب الريح …. وامتشقت محبوبتي السمراء مبتسمًا… (وعقدت العزم أن يحيا الوطن)، مالي بأجوبتكم فلتبحثوا أنتم! وجدت أجوبتي… وجدت أجوبتي»
متبعا النص التالي المبتور
ناري على المحتل. مثل المطر تنهل
ودموعي نزلت فرح. يا ميمة لا ما انذل
قلبي عميق الجرح. يا بيي انت الكل
تحييتك هامتي فوق السحاب تهل
يا خيي شد العزم. يا خيي انت الظل
يا خيتي دوسي الالم زفة عريس تطل
يا رفاقي يوم الوغى رصاصي في صدر الذل
يا رفاقي انتوا الامل يوم الرجال تكل
ولن أتبع ذلك النص الشعري الذي كتبته لك آملًا أن تقرأه قبل أن ترتقي ولم أعلم أن الوقت لن يمهلني لذلك اللقاء الذي أوهمت به نفسي ومنيت به فؤادي ولا زلت ارتقبه لأصحو على حقيقة أنك لن تعود، ولن تعود
حتى أنك يا أخي لم تعد لي في منامي وأنا أرجع ذلك لثلاثة أسباب أرفضها: فالأول أنك لست راض عني … والثاني أنك بخلت عليّ بما جدّت به على كثر ليسوا أقرب مني عليك. -وهذا ليس طبعك- …..وأما الثالث أنك لا تريد أن تأتي لتحملني ما تعتقد أنه لا طاقة لي به، فإن كان الأخير تذكر أني كما أخبرتك قبل عدة سطور أني لن أتنازل عن هذا الحمل ثقله وشرفه.
فاشهد بأني لن أخون دمك وعهدك وليشهد الله
وليشهد شاهد قبرك الذي أقف بجانبه وأقبله الآن على ما أشهدتك وأشهدت الله عليه
فسلام من الله عليك في الخالدين
وسلام على روح لم تعرف الخيانة سبيلا لها
وسلام على تحد غرسته في النفوس
سلام عليك يا باسل
سلام عليك يا باسل
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني