تمزيق كوسوفو بين الماضي والحاضر2
أعاد اغتيال الزعيم الصربي الكوسوفي أوليفر إيفانوفتش في 16 كانون الثاني 2018 في الجزء الشمالي (الصربي) من المدينة المقسمة كوسوفسكا ميتروفيكا، وضع كلا قضية أرض كوسوفو المتنازع عليها، وسياسات صربيا تجاه الغرب، وتحديداً الاتحاد الأوربي.
تعريب وإعداد: عروة درويش
- مكافحة الإرهاب السياسي الألباني في كوسوفو والانفصال الإقليمي:
هدفت الحكومة المركزية في بلغراد من إلغاء الحكم الذاتي لكوسوفو عام 1989 بشكل أساسي إلى وقف الأعمال الإرهابية التي تشنّ على الصرب، وإلى منع سلخ الإقليم من صربيا، والذي يهدف لإعادة إحياء ألبانيا الكبرى أثناء الحرب العالمية الثانية، وبالتالي شرعنه التطهير العرقي الألباني ضدّ جميع السكان غير الألبان. وهو الأمر الذي حدث بشكل فعلي في كوسوفو بعد منتصف حزيران، عندما قامت قوات الناتو باحتلال الإقليم ومنح السلطة للمنظمة السياسية-العسكرية الإرهابيّة: «جيش تحرير كوسوفو KLA».
ورغم ذلك، فقد عرضت آلات الدعاية الغربية السائدة والأوساط الأكاديمية الغربية الأمر بشكل معكوس، فادعت أنّ بلغراد تتبع سياسة تمييز ضدّ السكان الألبان الذين جُردوا من حقوقهم وفرصهم الاقتصادية والسياسية. بينما في الحقيقة فإنّ هذا «التمييز» قد نجم في المقام الأول عن السياسة الانعزالية الألبانية المتمثلة بمقاطعة مؤسسات الدولة الصربية، بل وحتّى رفض أيّ فرص عمل تقدمها لهم هذه المؤسسات، من أجل الإبقاء على خطابهم كأقليّة تقوم الحكومة بقمع حقوقهم.
ففي وسائل الإعلام السائدة الغربية، وحتّى في الأوساط الأكاديميّة، تمّ إظهار الدكتور إبراهيم روغوفا: القائد السياسي لألبان كوسوفو في التسعينيات، بأنّه شخص يقود حركة مقاومة لا عنفية ضدّ سياسات ميلوسوفيتش القائمة على التمييز العرقي ضدّ ألبان كوسوفو. حتّى أنّهم وصلوا لحدّ وصف روغوفا بأنّه: «غاندي البلقان». تمّ في التسعينيات في كوسوفو إنشاء بنية ومؤسسات ألبانية اجتماعية تعليمية سياسية غير قانونية موازية للدولة، لتصبح دولة داخل دولة، حتّى أنّ الألبان تحت قيادة روغوفا أعلنوا استقلال كوسوفو ثلاثة مرّات. بأي حال، تمّ تجاهل هذه الإعلانات الثلاث من قبل الغرب وبقيّة العالم في حينه. ولهذا فشلت الحركة السياسيّة القومية لألبان كوسوفو بقيادة روغوفا، بتعزيز ودفع كفاح الانفصاليين من أجل سلخ الإقليم عن صربيا، والسعي لتحقيق المهمة النهائية في إعادة دمجه في ألبانيا الكبرى. وكان روغوفا نفسه من عائلة مسلمة هاجرت من ألبانيا إلى كوسوفو، وكان قادراً على الكتابة باللغة الفرنسية، فكتب العديد من المؤلفات السياسية التي تتناول «قضيّة كوسوفو» من وجهة نظر الانفصاليين الألبان، وبهذا، وبالتعاون مع وسائل الإعلام الغربية، تمّ تلقين آرائه للجمهور الغربي، وذلك في أوقات حاسمة في عام 1994.
كانت إحدى القضايا الحاسمة المتعلقة بمشكلة كوسوفو في التسعينيات، هي محاولة معرفة السبب الذي دفع «الديمقراطيات» الغربية لعدم الاعتراف باستقلال كوسوفو الذي أعلنته بنفسها؟ فقد تمّ تجاهل «قضيّة كوسوفو» بشكل تام من أوراق دايتون المصممة أمريكياً عام 1995، والتي تعاملت فقط مع استقلال البوسنة والهرسك. يكمن جزء من الإجابة على ذلك في حقيقة أنّ حركة الانفصال الألبانية بقيادة روغوفا كانت في جوهرها حركة غير شرعية وإرهابية. من المعروف أنّ روغوفا نفسه كان يرعى ميليشيات الحزب الإرهابيّة التي كانت مسؤولة عن أعمال العنف ضدّ السلطات الصربية والمجموعات العرقية غير الألبانية في كوسوفو. مثال: في تموز 1988 تمّ إيجاد طفلين مدفونين في فناء بلدة غريس ضمن نطاق نفوذ حزبه «الواقعة بين بريشتينا وفوشيترن» ومقطعين إلى أشلاء، وهما طفلين لعائلتين صربيتين من عائلة بتروفيتش. بأي حال، وكردّ على سياسات روغوفا غير الناجحة في الاستقلال، تمّ إنشاء «جيش تحرير كوسوفو» سيء السمعة، الذي شنّ عام 1997 حملة إرهاب واسعة النطاق ضدّ أيّ شيء صربي في كوسوفو.
كان لجيش تحرير كوسوفو هدفان رئيسان سياسيان معلنان:
- الحصول على استقلال كوسوفو من صربيا ليتمكنوا من إدماج المقاطعة ضمن ألبانيا الكبرى.
- تطهير الإقليم إثنياً من جميع غير الألبان، لا سيما ذوي الإثنيّة الصربيّة.
بأيّ حال، قام جيش تحرير كوسوفو بإشعال حرب مقدسة إسلاميّة ضدّ مسيحيي كوسوفو عبر القيام بأعمال إرهابية مماثلة لتلك التي يقوم بها تنظيم داعش حالياً في الشرق الأوسط. ومن غير المشكوك به أنّ جيش تحرير كوسوفو قد ساهم في إذكاء التطرف الإسلامي في البلقان بعد عام 1991، ليمشي بذلك على نهج «حزب العمل الديمقراطي SDA» الإسلامي المدعوم حكومياً في البوسنة والهرسك، والذي قاده علي عزت بيغوفيتش الذي كان عضواً في قسم هاندزار «Handžar Division» النازي-الإسلامي في الحرب العالمية الثانية، والذي كتب الإعلان الإسلامي المتطرّف عام 1970.
تمّ الإعلان بأنّ جيش تحرير كوسوفو هو منظمة إرهابيّة من جميع دول العالم، ويتضمن ذلك الإدارة الأمريكية والباحثون الغربيون. ويمكننا أن نقتبس عن كتاب الباحث تي.بي.سيبولت الصادر عن جامعة أكسفورد عام 2007، تعليقه على النقطة المركزية في الحرب في كوسوفو عام 1998 – 1999: «إدراكاً منه لكونه يفتقر للدعم الشعبي، وبأنّه ضعيف نسبياً بالمقارنة مع السلطات الصربية، قام جيش تحرير كوسوفو باستفزاز الشرطة الصربيّة ووزارة الداخلية عبر شنّ هجمات على المدنيين الألبان، وذلك بهدف حشد الدعم الدولي لهم، وبشكل خاص عبر التدخل العسكري».
- خاتمة:
أدرك جيش تحرير كوسوفو جيداً بأنّه كلما زاد عدد قتلى المدنيين الألبان في إطار استراتيجية حرب العصابات التي أطلقها بنفسه، كلما أضحى التدخل العسكري الغربي (الناتو) ضدّ جمهوريّة يوغسلافيا الفدراليّة واقعاً. بكلمات أخرى، كان جيش تحرير كوسوفو مع قائده هاشم تاجي، وهو اليوم رئيس كوسوفو رغم كونه على لائحة الإنتربول للمجرمين المطلوبين، مدركين تماماً أنّ أيّ عمل مسلح ضدّ السلطات الصربية والمدنيين الصرب سوف يجرّ أعمالاً انتقامية على ألبان كوسوفو المدنيين، ولهذا قاموا باستخدام المدنيين بوصفهم ليسوا أكثر من «دروع بشرية». كان هذا في الحقيقة هو الثمن الذي دفعه ألبان كوسوفو المدنيون من أجل تحقيق جيش تحرير كوسوفو «استقلالاً» للإقليم تحت قيادته. تمّ من قبل استخدام ذات الاستراتيجية من قبل الكرواتيين والبشناق البوسنيين الذين أرادوا تطليق يوغسلافيا في التسعينيات.
بأي حال، عندما تصاعد العنف في كوسوفو عام 1998، بدأت سلطات الاتحاد الأوربي وحكومة الولايات المتحدة بدعم المسار الألباني سياسياً، وهي السياسة التي أدّت بالحكومة الصربية إلى عقد هدنة ووقف لإطلاق النار مع جيش تحرير كوسوفو، وانسحاب قسم من الشرطة الصربيّة والجيش اليوغسلافي من كوسوفو، والذي استتبعه إنشاء قوات مراقبة «دولية» (غربية في الحقيقة) تدعى «لجنة تقصي الحقائق في كوسوفو KVM»، تحت سلطة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
بيد أن نشر قوات الناتو في كوسوفو لم يكن أمراً رسمياً بالمرّة. فقد خوّل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قراره رقم 1199 في 23 أيلول 1998 اللجنة القيام بمهمتها وحسب. كان هذا في واقع الأمر بداية السلخ الإداري-الإقليمي المدعوم غربياً لكوسوفو-ميتوشيا عن صربيا، والذي كان سببه الحقيقي رفض صربيا الانضمام إلى حلف الناتو، ورفضها بيع بنيتها التحتيّة الاقتصاديّة للشركات الغربية، مثلما حدث في نمط «الانتقال» الذي اتبعته دول وسط وجنوب شرقي أوروبا بعد الحرب الباردة. ولهذا أتى عقاب الغرب على شكل دعم جيش تحرير كوسوفو.
تحتاج اليوم عصابات مافيا الغرب الممثلة بالناتو والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، فقط إلى اعتراف رسمي من صربيا بنتيجة سياساتهم القذرة في كوسوفو-ميتوشيا، أي الاعتراف «باستقلال» جمهورية كوسوفو. ويبقى قابعاً خلف سلخ كوسوفو عن صربيا كلا الهدفين الاقتصاديين والجيوسياسيين لسياسة البلقان الأمريكيّة. أولاً: إنّ المنشآت العسكرية الأمريكية في كوسوفو «الرباط-الحديدي» هي أكبر قواعدها في العالم. ثانياً: القسم الأكبر من موارد كوسوفو الطبيعيّة وبناها الاقتصادية هي تحت السيطرة والاستغلال المباشر لشركات الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ضمنها الشركة المملوكة للجنرال ويسلي كلارك: قائد عمليات الناتو الذي قصفت بالقنابل صربيا والجبل الأسود عام 1999. وأخيراً، يمكن أيضاً فهم سبب احتلال الغرب لإقليم كوسوفو-ميتوشيا في حزيران 1999 ووضعه تحت السيطرة المباشرة، في سياق الحقيقة التي أوردتها الباحثة سابرينا رامت الصادر عن جامعة كامبريدج عام 2010، وهي أنّ الإقليم يحوي على 45% من احتياطي الليغنيت «نوع من أنواع الفحم الحجري Lignite» في أوروبا.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني