من يشكّل الأجندة| تأثير «المحسنين» الرأسماليين على السياسات
«هذه السلسلة من المقالات هي خلاصة لدراسة طويلة وتفصيليّة عن ذات الموضوع، ويمكنكم الاطلاع عليها باللغة الإنكليزية من هنا».
تعريب وإعداد: عروة درويش ▌
- التأثير على السياسات وعلى وضع البرامج:
يمكن للمؤسسات الإحسانيّة أن تمارس نفوذاً هائلاً على سياسات صنع القرار وعلى وضع البرامج. ويبدو هذا الأمر جليّاً واضحاً في حالة مؤسسة غيتس ودورها في سياسات الصحّة العالمية. فعبر عمليّة هندسة المنح، والإجراءات الواجب توافرها كي تكون مخولاً بالحصول على التمويل، ونشاط المؤسسة كمستشار، أثّرت مؤسسة غيتس على أولويات «منظمة الصحة العالميةWHO » وعلى النقلة السياسي ناحية تمويل صحي هرمي، من أعلى لأسفل.
باتت أولويات وعمليات منظمة الصحة العالمية ملزمة بهذا القدر الكبير من تأثير مؤسسة غيتس نتيجة التغييرات في نمط المنح التقليديّة التي اعتمدت في السابق على الدول. فقد عانت منظمة الصحة العالمية في السنين الأخيرة من نقص حاد في الموارد، وهو ما ناقض بشكل حادّ احتياجاتها المتزايدة للتمويل لمواجهة الوضع الذي خلفه نقص التمويل العام حول العالم، ويشمل ذلك الاستعداد والاستجابة لحالات الطوارئ. لقد قاد عدم التوازن بين المساهمات والاحتياجات، منظمة الصحّة العالميّة إلى: جذب مانحين جدد والسعي لإيجاد موارد تمويل جديدة. ومع ازدياد تأثير هذا النوع من الموارد، ازدادت الفجوة في قدرة منظمة الصحة العالمية على الاستجابة كما ينبغي لحالات الطوارئ الصحيّة حول العالم: ويبدو ذلك جليّاً في استجابتها لتفشي جائحة الإيبولا عام 2014.
وينطبق ذات الشيء على التأثير الذي تمارسه مؤسسة روكفيلر على السياسات الزارعية، وذلك ضمن ذات سياق سياسات «منظمة الثورة الخضراء» ومؤسسة غيتس، بالدفع نحو التكنولوجيا الزراعية: ويشمل ذلك الدفع نحو البذور المعدلة وراثياً في البلدان الإفريقية رغم القلق العام المتنامي والمبرر بشأن الأغذية المعدلة وراثياً. وتقوم تلك المؤسسات أثناء ذلك بتقويض المقاربات التي تستهدف الفقراء في القاع وأيّ مفاهيم بديلة يمكنها التصدي لأزمة الغذاء العالمي ولبرامج الزراعة-الصناعية والغذاء-الصناعي. فالمقاربة الوحيدة الممكنة وفقاً لهذه المؤسسات وللسياسات التي تتبعها هي طريق التنمية التكنولوجيّة.
وتمارس هذه المؤسسات تأثيرها ليس عبر هندسة المنح وحسب، «فمؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة» على سبيل المثال، تساهم في تشكيل الخطاب العام للأمم المتحدة عبر الدعم الاستشاري لوكالات الأمم المتحدة، وعبر عقد الاجتماعات غير الرسمية مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتزويدها بدعم اتصالاتي وإعلامي مركز. لقد لعبت مؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة دور القوّة الدافعة لقضيّة الشراكة مع حاملي أسهم متعددين، مثل حركة «كلّ امرأة كلّ طفل».
من المهم جدّاً أن نتعلم من تجربة مؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة، والتي بدأت كأداة لقبول المساهمات لمرّة واحدة، وعلى سنين متعددة من تيد ترنر، من أجل دفع قضايا الأمم المتحدة قدماً. لقد وسعت هذه المؤسسة نشاطاتها بعدّة طرق، وباتت تجمع الأموال من مصادر خاصّة وعامّة، وتدير بها البرامج تحت راية الأمم المتحدة، ولكن خارج نظام الأمم المتحدة.
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني