أزمة الصهاينة: يهودي لله يا محسنين!
أعلن الكيان الصهيوني مراراً بأنّه لن يكون هناك تفكيك للمستوطنات أو إخلاء لقاطنيها البالغ عددهم 600 ألف نسمة، وهو الحدّ الأدنى المطلوب لقيام دولة فلسطينية قابلة بالكاد للحياة.
إعداد: عروة درويش
لطالما كانت المسألة الديمغرافية في صميم السياسات الصهيونيّة. فخلال حرب 1948 التي أوجدت «دولة» على أنقاض وطن الفلسطينيين، تمّ طرد 750 ألف فلسطيني بشكل منهجي يمكن دعوته اليوم بالتطهير العرقي. وتمّ في النهاية خفض عدد الأغلبية الفلسطينيّة الكبيرة إلى أقلّ من خمس سكان الدولة الجديدة. وكان حينها دافيد بن غوريون يجلس مرتاحاً وهو ينتظر ملء مكانهم باليهود القادمين من أوروبا والعالم العربي.
لكنّ المشروع أخطأ في مكانين:
الخطأ الأول هو عدم إدراك بن غوريون أنّ معدّل المواليد لدى الأقليّة الفلسطينيّة هو أعلى بكثير. فرغم موجات المهاجرين اليهود، شكّل الفلسطينيون بسرعة ما نسبته 20% من مواطني «دولة الكيان الصهيوني». خاض الصهاينة معركة ضدّ هؤلاء منذ ذلك الحين، وتشير الدراسات بأنّ برنامج العمل النشط الوحيد المخصص للمواطنين الفلسطينيين هو تنظيم الأسرة.
وقد ظهرت خطط الكيان المتعلقة بالديمغرافية من جديد منذ بعض الوقت. حيث وجد تحقيق أجرته صحيفة "هآرتس" بأنّ الكيان الصهيوني جرّد آلاف المواطنين العرب-البدو من جنسيتهم في السنوات الماضية، وهم الفئة الأسرع نمواً بين سكان البلاد. ادعى الكيان أنّ «الأخطاء» البيروقراطية في تسجيل الآباء والأجداد بعد إنشاء «الدولة» كانت السبب في ذلك.
وتمّ في هذه الأثناء اتخاذ خطوة أخرى في ذات السياق عندما وافقت «محكمة إسرائيلية» على إلغاء جنسيّة فلسطيني أدين بتهمة الهجوم القاتل على أحد الجنود. لقد عبّرت جماعات حقوق الإنسان عن خشيتها من كون «إسرائيل» ثبتت سابقة لنزع الجنسية بناء على «الولاء».
وأكدت وزيرة عدل الكيان آيلات شاكاد هذا الاتجاه عندما حذّرت القضاة من أنّ عليهم أن يعطوا الأولوية للديمغرافية وليهوديّة «الدولة»، ولو حساب حقوق الإنسان.
حدث الخطأ الثاني عام 1967. ففي أثناء الاستيلاء على آخر ما تبقى من فلسطين، لم يتمكن الكيان من طرد معظم السكان، ممّا جعله مسؤولاً عن مئات آلاف الفلسطينيين الإضافيين، ومن ضمنهم لاجئو الحرب الأولى.
لقد تمّ عزل «الشيطان الديمغرافي»، كما يسميه الصهاينة غالباً، عبر الادعاءات الوهمية التي دامت لعقود: وهي أنّ الاحتلال سينتهي عمّا قريب. وقامت إسرائيل بتنفس الصعداء قليلاً عام 2005 عن طريق «فكّ الارتباط» مع قطّاع غزة الذي يحوي 1.5 مليون نسمة.
لكنّ المخاوف تبقى قائمة بوجود الفلسطينيين الذين لم يعد للكيان قدرة على تطهيرهم عرقياً. هذا هو السياق الذي يمكننا من خلاله فهم تقرير «اللجنة الحكومية» المسرّب منذ فترة، والذي يقترح إعادة تصوّر ثوري لمن يمكن اعتباره يهودياً، وبالتالي مؤهلاً للعيش في الكيان.
لقد وسّع «قانون العودة» لعام 1950 النطاق بالفعل، حيث عدّل الوصية الحاخاميّة التقليدية عن وجوب ولادة اليهودي لأمّ يهودية. يقوم هذا القانون عوضاً عن ذلك بتخويل أيّ شخص له جدّ يهودي واحد أن يحصل على الجنسية على الفور. عمل هذا الأمر جيداً عندما كان اليهود يفرون من الاضطهاد أو الضائقة الاقتصادية، لكن منذ وصل مليون مهاجر على إثر سقوط الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينيات، جفّت منابع «اليهود الجدد».
تعدّ الولايات المتحدة المغناطيس الأكبر. لقد نشرت صحيفة «جيروسيلم بوست» منذ شهرين تقريراً عن عيش نحو مليون إسرائيلي في الولايات المتحدة. ولسوء حظّ نتنياهو، فإنّ جلّهم مدرج في لوائح الصهاينة التي تدعم الادعاءات الديمغرافيّة مقابل الفلسطينيين.
وتُظهر المراقبات الأخيرة نزوح «مواطني إسرائيل اليهود» إلى الولايات المتحدة بمعدلات تساوي ضعف عدد اليهود الأمريكيين الذين يتجهون نحو الكيان. لا يبدو أنّ لهذه الموضة نهاية قريبة.
وبسبب النقص الملحوظ في عدد اليهود القادرين على التفوق على الفلسطينيين من الناحية الديمغرافية، فإنّ حكومة نتنياهو تدرس حلاً يائساً. يشير التقرير المسرّب إلى اقتراح فتح الأبواب أمام فئة جديدة من «اليهود» غير اليهود. وبحسب صحيفة هآرتز، فقد يصبح ملايين الأشخاص حول العالم مؤهلين للدخول في هذه الفئة. قد ينطبق التعريف الجديد على «اليهود السريين» الذين تمّ تحويل أجدادهم عن اليهودية، ومجتمعات «اليهود الناشئة» الذين تبنوا الممارسات اليهودية، والذين يدعون بأنّهم ينحدرون من «قبائل يهودية مفقودة».
يتوق الصهاينة إلى جنود راغبين بالحرب من أجل سرقة الأراضي الفلسطينيّة. لكن ما مدى واقعيّة هذا الخيال؟ هل بإمكانهم فعلاً جذب «مواطنين» جدد في خضمّ أزمتهم الحاليّة المتمثلة بتراجع رعاتهم الغربيين؟ هل بإمكانهم التصرّف كما لو أنّ أمريكا هي من تحكم العالم هذه المرّة؟
تنويه: إن الآراء الواردة في قسم «تقارير وآراء»- بما قد تحمله من أفكار ومصطلحات- لا تعبِّر دائماً عن السياسة التحريرية لصحيفة «قاسيون» وموقعها الإلكتروني